يتحدث ستيفن بينكر –عالم النفس اللغوي في هارفارد- في كتاب (الصفحة البيضاء) عن معتقد شديد الشيوع في القرون الأخيرة، وهو الاعتقاد بأن الإنسان يولد “صفحة بيضاء”، لا يحمل بنية فطرية سابقة، وأن المؤثر الأساسي في تشكيل الإنسان يعود للوالدين، والمجتمع. يهاجم بينكر هذا المعتقد بشدة، وهو يرى أنه يمثّل “الدين العلماني للحياة الثقافية المعاصرة”، وأن هذا المعتقد ساهم في رسم بعض أجندات العلوم الاجتماعية والإنسانية في القرن المنصرم. ابتدأ أولاً بتقصي منابع هذه المعتقد التاريخية، منذ روسو وهوبز وديكارت، ثم شرع في تقويض المعتقد عبر أربعة مجالات: العلوم العقلية الحديثة، وعلوم الأعصاب، والجينات، والأطروحات التطورية. فنّد بينكر المخاوف الثقافية التي تمنع من إثبات بنية فطرية أو طبيعة بشرية سابقة، وهي أن الإقرار بطبيعة بشرية ما يبرّر التمييز العنصري، وأن إثبات ميول غير أخلاقية (كالعنف) يجلب التشاؤم، ويدمر فكرة الإرادة الحرة، ويحطم معنى الحياة.
وأخيراً عقد المؤلف فصولاً عديدة لمناقشة الأسس الفطرية/الطبيعة المؤثرة في تشكيل نوازع الإنسان وخياراته في :
[1] السياسة، وفي العنف وأثبت أن الإنسان يحمل ميولاً فطرية للعنف، وأشار لدراسة نشرت عام 2000م أثبتت أن نصف الذكور الذين تجاوزا سن الثانية انخرطوا في الضرب والعض والرفس، وقالت الدراسة أن السؤال الصحيح ليس هو: كيف يتعلم الأطفال الاعتداء؟ بل: كيف يتعلم الأطفال عدم الاعتداء؟!.
[2] الفروق بين الجنسين، وأثبت فروقاً جوهرية بين الجنسين بيولوجياً وانتقد بعض الأطروحات النسوية التي ترفض الاعتراف بهذه الفروق، وترى بأنها مصنوعة من قبل المجتمع وليس لها أساس عضوي، ودافع عن أطروحة ثرونهيل وبالمر في كتابهما الشهير “التاريخ الطبيعي للاغتصاب” الصادر عام 2000م، الذي ينقض الأطروحة النسوية القائلة بأن الاغتصاب هو جريمة عنف ونتيجة للنظام الأبوي المضطهد للنساء وليس سببه دوافع جنسية راسخة في تكوين الذكر عضوياً/بيولوجياً.
[3] وفيما يتعلق بالأطفال، هاجم بقوة الأفكار التربوية والنفسية والاجتماعية التي ترى بأن الأطفال يمكن تشكيلهم كما يشكّل الطين أو الصلصال، وتلك التي تبالغ في دور الآباء والمعلمين وتحملهم فوق ما يحتملون، وذلك في فصل هام يجدر بالمهتمين بالتربية الاطلاع عليه. كما تحدث في غيرذلك من المجالات كالفنون.
فكرة الكتاب الأساسية مهمة جداً، وهي أقرب للتصور الديني من نظرية “الصفحة البيضاء”، فالإنسان في التصور الإسلامي لا يولد صفحة بيضاء بل (كل مولود يولد على الفطرة)، مع ملاحظة أن بينكر ملحد ولا يؤسس أطروحته على أية مستندات دينية.
أما الترجمة فهي ركيكة في العموم، والعناية بالنواحي الفنية والهوامش سيئة جداً. يقع الكتاب في 550 صفحة، وصدر عن دار الفرقد ٢٠١٨.