“تُستصلح السفن وهي تسير”

في المحاضرة الأولى من الفصل الدراسي قسّم أستاذ الفنون الجميلة في جامعة فلوريدا جيري أولسمان (ت٢٠٢٢م) طلابه إلى مجموعتين، الأولى أخبرهم بأن تقييمهم الدراسي سيكون متعلقًا بتقديم ١٠٠ صورة، والمجموعة الثانية قال لهم أن التقييم سيكون مرتبطًا بجودة صورة واحدة يقدمونها. وفي وقت تسليم المتطلب الدراسي كانت المفاجأة أن أجمل الصور قُدّمت من طلاب المجموعة الأولى، يعلّق أحد الكتّاب بالقول أنه

«خلال الفصل الدراسي كان طلاب المجموعة الأولى منشغلين بالتقاط الصور، وتجربة تداخل الألوان والضوء، واختبار الطرق العديدة للتحميض، والتعلّم من أخطائهم. وفي خضم عملية إنتاج مئات الصور شحذ الطلاب مهاراتهم. بينما أطال طلاب المجموعة الثانية التفكير في كيفية إنتاج صور مثالية، وفي النهاية لم يكن لديهم ما يقدمونه إلا مجموعة من النظريات غير المختبرة، وصورة واحدة متواضعة».

وهكذا تجد أن الحرص الشديد على “الجودة” قاد المجموعة إلى التعثر والفشل.

يمكن فهم هذه الواقعة بأكثر من طريقة، ولكني أحبّ تأملها في سياق آخر يبدو بعيدًا.. قال بعضهم: «تُستصلح السفن وهي تسير»؛ فالمجموعة الأولى “استصلحوا” ذوقهم الفني وهم “يبحرون”، بخلاف المجموعة الثانية التي ظلت بعيدةً عن إدراك طبيعة “البحر”، وهكذا فإن استدامة العمل والالتزام بالإنجاز والحركة النشطة والفعل الهادف أقرب إلى تحقيق الفضائل، بل ربما بلوغ مراتب مميزة ومتقدمة، بالمقارنة مع الهوس المثالي بإنتاج الفرادة الخالصة، والإبداع أو التميز الخارق، فكما أنه ليس بإمكان رباّن السفينة وطاقمها انتظار ميناء مناسب أو ظروف مواتية لمعالجة أعطاب السفينة، ولا مفرّ من الجمع بين استمرار الإبحار وإصلاح العطب في الوقت نفسه؛ فهكذا الانسان لا يصحّ له انتظار لحظة مناسبة لإنجاز ما يتوجّب عليه، أو تحقيق أهدافه، أو اصلاح اخفاقاته وقمع عيوبه، أو مداواة جراحه وترميمها، لأن التوقف والانتظار يعني “الغرق”!

3 رأي حول ““تُستصلح السفن وهي تسير”

أضف تعليق