قبل سنتين عرضت هنا لكتاب “جنون الفلاسفة” وهو يتناول سيرة ثمانية فلاسفة مشاهير ويركز على إخفاقاتهم وخطاياهم.. أما بول جونسون فقد حوّل كتابه “المثقفون” إلى مستودع ضخم للفضائح، والتنقيب عن حماقات وهفوات عدد من المثقفين، بدءاً من ج.روسو، ومروراً بماركس، وتولستوي، وسارتر، وب.راسل، وهيمنغواي، وانتهاء بتشومسكي. كاتب حقود، هذا ما شعرت به بعد قراءتي للثلث الأول، فقد أفرغ المؤلف كل إمكانياته البحثية في كشف خفايا الانحلال الأخلاقي والتناقض الفكري والإباحية السلوكية عند كل هؤلاء. المثقفون في كتابه مجرد كلاب ضالة، وقردة فاسدة، مدمنون لأحضان العاهرات، شواذ، فاسدون، نصابون، مهووسون بالشهرة والمجد والمال. ببساطة هم حفنة من الشياطين اللعينة. هذه خلاصة الـ350 صفحة.
لا يمكن قبول هذه السردية المنحازة والحقودة والظالمة، فبرغم كل الحقائق التي أوردها إلا أن المؤلف:
أولاً تعمد اختيار نماذج لمثقفين فعلاً منحطين للغاية أخلاقياً في أغلب النماذج.
وثانياً قام بمحورة ومركزة السوء والانحلال في شخصياتهم، بحيث أنه صبغ سيرهم بصبغة لا إنسانية وشديدة القاتمة.
وثالثاً ارتكب فظاعات تأويلية كثيفة لأجل تفسير كل سلوكياتهم بأحط التفسيرات الممكنة، ولم يدع حكاية أو اقتباس يمكن توظيفه في سرديته السوداء إلا واعتنى به.
ورابعاً كان شحيح العرض للجوانب الإيجابية، بخيل بالثناء، ووافر الهجاء على كل شيء تقريباً.
وخامساً كانت نزعته اليمينية المحافظة وانتمائه الليبرالي الرأسمالي المكشوف حاسماً في كثير من نقده، لم يكن موضوعياً بحال، كان خطابه بائساً بصورة مزعجة. لست متعاطفاً مع أغلبية الأسماء التي ذكرها أبداً، ولكن هذا لا يعني التجني والظلم.
هذه النوع من الهجاء النقدي يفشل في فهم تركيبية الإنسان، واختلاط فساده بصلاحه، وأنه مهما بلغ الانسان فلابد من خير يفعله، ولا بد من نزعة فضيلة تحجزه. الإنسان ليس شراً مطلقاً. الحمقى فقط من يرون الانسان خيراً فقط، أو شريراً فقط. الإنسان كتلة معقدة، وكل فرد يشعر بذلك، بصورة حسية، يعرف نواياه الفاسدة، مهما تظاهر بالصلاح، ويعرف أيضاً نزعته للخير مهما بدا فاسداً. هذه تجربة شعورية يمر بها عموم الناس بأدنى وعي ذاتي. ومن جهة ثانية فكما أن الأفكار والنظريات تجد لها أساساً في مزاج صاحبها وطبعه وميوله النفسية وأهوائه العاطفية، فهي أيضاً ليست نسخة معقلنة لسلوكه الشخصي بالضرورة، ولا هي مفسرة دائماً لأفعاله، ولا يمكن للربط الآلي المفصول عن السياقات أن يفسر العلاقة المعقدة والغامضة بين الفكر والسلوك، بين النظرية والتطبيق.
ومع ذلك فالكتاب مفيد لمن يبالغ في تقدير مثل هؤلاء الرموز، وللسذج وللمخدوعين بالشعارات والأكاذيب.
رأيان حول “المثقفون – پول چونسون”