أصول النظام السياسي وانحطاطه- فرانسيس فوكوياما


ليس من السهل عرض أو مناقشة كتاب موسوعي بهذا الحجم وبهذا الاتساع، فهو يقع في مجلدين سمينين، وقرابة 1300 صفحة.

أستاذ العلاقات الدولية والمفكر الأمريكي البارز ف. فوكوياما يسعى في هذه الموسوعة الممتازة لتقديم أطروحة مقارنة سياسية لنشوء وتطور البنى السياسية في المجتمعات البشرية. يعرض للدولة في هذا الكتاب بملامحها (البيروقراطية والتنظيم الإداري القائم على الكفاءة لا الولاء، وحكم القانون، والحكومة الخاضعة للمحاسبة).وينقسم المجلد الأول الذي يناقش المراحل المبكرة من البنى السياسية لخمسة أجزاء، الأول يستعرض فيه واقع ما قبل الدولة أنثربولوجياً، ومجتمعات القبيلة. ويؤسس بعض أطروحته على فكرة التطور الداروينية مع محاولة تطويرها لتلاءم المجال السياسي. وفي الجزء الثاني يعكف المؤلف على تتبع نشوء الدولة في المجتمع الإنساني، ويناقش بالتحديد الصين القديمة التي يعتبرها تقدم النموذج الأول لفكرة الدولة، والهند القديمة، والنظام المملوكي والعثماني في البلاد الإسلامية. وفي الثالث يتحدث عن حكم القانون، وتطور التشريعات، ويركز على دور الكنيسة، ويذكر أن الفردانية كتحول في صيغ العلاقات الاجتماعية ساهم في ترسيخ الديموقراطيات الأوروبية لاحقاً كان يعود أساساً لتعاليم الكنيسة وسياساتها في ما يتعلق بالمواريث وحقوق ملكية المرأة، وليس إلى التحول على صعيد العمل إبان الثورة الصناعية كما هو شائع. وفي الرابع يتحدث عن الحكومة الخاضعة للمحاسبة من خلال سرد تحليلي للوضع السياسي في روسيا والمملكة الأسبانية القديمة، ثم يعرج على نماذج أخرى، ويجيب عن علة تميز الحكم الديموقراطي في الدنمرك.

وينقسم المجلد الثاني إلى أربعة أجزاء، الأول يستعرض تاريخ تشكل الوضع السياسي في البلاد الأوروبية وفي الولايات المتحدة، وفي الثاني يعرض لتاريخ نماذج من البلاد الأفريقية والآسيوية، وفي الثالث يتحدث عن الديموقراطية والطبقات الاجتماعية وسبل ترسيخها، وفي الجزء الأخير يفيض في مناقشة الانحطاط السياسي في الولايات المتحدة تحديداً.

الكتاب ممتاز، ومفيد، فهو يجيب عن أسئلة كبرى من قبيل: لماذا اختص الغرب بنظامهم السياسي؟ لماذا أفريقيا تقبع في قاع العالم سياسياً؟ ما الذي أوصل أمريكا اللاتينية إلى وضعها الحالي؟ كيف استطاع العثمانيون تجاوز إشكالية الترابط القرابي سياسياً؟ ما أنماط العلاقات القرابية في بلدان مثل الهند وكوستاريكا وآثارها السياسية؟ هل تفسير تعثر الديموقراطيات في بلاد مثل بوليفيا بأسباب ثقافية مقبول؟…الخ، وهو يجيب على كل ذلك بإفاضة تحليلية اجتماعية واقتصادية وأنثربولوجية ثرية. وإن كان اتساع مجال الكتاب البحثي مكانياً وزمانياً يوقع في ضرورة الاختزال، وأحياناً الانتقاء الاعتباطي للنماذج، مع الرؤية المتحيزة للفكرة الديموقراطية، وإن كان تحيزاً هادئاً وعاقلاً، فقد تخلى فوكوياما في هذا الكتاب عن تطرفه المعروف في كتابه عن نهاية التاريخ، وعرض للديموقراطية بوصفها نظاماً متفوقاً، ولكنه تفوق ممكن، ليس تفوقاً حصرياً ولا حتمياً، بل جعل النظام الصيني قد يمثل نموذجاً منافساً في المستقبل، بعد عرض لأعراض الترهل والانحطاط الديموقراطي الأمريكي المتمثل في عراقيل إنتاج القرار وبطء التشريع وتسلط جماعات المصالح والضغط، وهو يعتقد أن حل مشاكل الديموقراطية ليس في ترسيخ المزيد منها بل في استعادة التوازن ومنح الاستقلال المعقول للتنفيذيين، وغير ذلك.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s