القراءة ليست ممتعة

انتشار مقولات متعة القراءة، ولذة مجالسة الكتب، وروعة الإقامة بين جدران المكتبة،

من مثل قول بورخيس:”لطالما تخيلت الجنة على شكل مكتبة”، قد يوصل تصوّر اختزالي وزائف للبعض عن العلم والتعلم.

حين يشرع الشاب/الفتاة في طريق القراءة الجادة، ويتجاوز مرحلة المطالعات الخفيفة للكتب الصغيرة، والقصص والروايات، والمذكرات والسير الممتعة، يبدأ حينها بمواجهة كوابيس الملل، والسآمة، كما أنه يتيقن من ضرورة ترك بعض المتع، وأهمية قدر ما من العزلة (وهي خيار ليس محبباً لدى عموم الخلق)، ومقاساةالصبر، وجبر النفس على ما يضاد هواها، من أجل المضي في طريق العلم قُدماً. عند هذه اللحظة يترك كثيرون الكتاب، وينصرفون لحياتهم المعتادة، وقد يعودون من فترة لأخرى للاطلاع على كتاب خفيف، أو رواية شائقة.

والحق أن العلم بالشريعة، والطبيعة، سبيل صعب، وطويل، وليس طريقاً مفروشاً بالملذات، والمقولات التي تتغنى بالكتاب، والقراءة، كمتعة خالصة، هي في الأغلب ليست سوى تعبير عن لحظة فرح خاصة، أو بيان لنزوع فريد لا يمكن تعميمه، أو هي مقولات تباشر حقيقتها بعد أن تسير طويلاً بين رفوف العلم والكتب.

ومن يتصوّر أن القرّاء الجادين وطلاب العلم والعلماء لا يفعلون ذلك إلا لاستمتاعهم الشخصي فهو واهم، بل بعضهم يجاهد نوازعه كلما جلس مع الكتاب، ويقاوم الملل، ويدافع الخواطر التي تدعوه للانصراف إلى نشاط أكثر إمتاعاً. ولكن الذي لا يمكن إنكاره أن بهجة العلم العظيمة، ودهشة المعرفة، وحلاوة التعبدبسلوك الطلب، تطغى على متاعب الصبر، ومكابدة الجلوس الطويل أمام الكتاب، ولكن هذا لا يتحصّل لكل أحد، ولا يتحقق في بداية الطريق، ولو كانت المسألة ممتعة لهذا الحد، لتنافس فيها الناس كما يتنافسون في جمع المال. ولولا المشقة لساد الناس كلهم.

أضف تعليق