(1) كنتُ في مجلس مع بعض أصحابي إبان يفاعتي فجرى الحديث عن العبقرية، فقلت في معرض الكلام العبارة المشتهرة "ليس بين العبقرية والجنون سوى شعرة"، ولم أكن على وعيٍ كافٍ بمعنى هذه المقولة وسياقها، فاعترض أستاذي بنوع انفعال مستهجنًا هذا المعنى، وقال انظر إلى تاريخ علماء الإسلام، من الأئمة الأربعة، والثوري والغزالي وابن عبدالبر وابن … متابعة قراءة ممسوس بالنار
التصنيف: أفكار
فضيلة الاستسلام
«لكل شخص قصة ملحميّة تقبع في مكان ما؛ في العقدة ما بين عبء الشخص ورغبته»(أليكس تيزون ت2017م) (1) الفكرة الأساسية في خطابات التحفيز وفي كثير من أطروحات إدارة الذات تدور حول مقاومة الاستسلام. لا بد أن مرّ بك مؤخرًا مواد مرئية أو مسموعة أو مكتوبة تتضمن أفكارًا من قبيل: لا تستسلم (Don`t give up)، واصل … متابعة قراءة فضيلة الاستسلام
المشي بعيدًا
«لا أعرف فكرة واحدة ثقيلة على النفس لا يستطيع المرء أن يمشي مبتعدًا عنها»سورين كيركغارد (ت1855م) (1) في السابق كان الناس يمشون ليصلوا إلى مكان ما، أما الآن فأصبح المشي غاية بذاته أو كاد. ومن السهل ملاحظة ازدهار رياضة المشي والترويج لها في العشرين سنة الأخيرة وذلك على نطاق عالمي، والدوافع الأساسية لذلك تتمحور حول … متابعة قراءة المشي بعيدًا
محراب الاعتراف
«إن وصف المرء الصادق -قدر الإمكان- لحياته الخاصة؛ له قيمة كبيرة بغض النظر عن الإنسان الذي يؤديه، ولابد أن يكون فيه نفع عظيم للبشر»ليف تولستوي (ت1910م) (1) «تذكّرت بقوة أني أدرك نفسي الآن في عامي الواحد والثمانين تمامًا كما أدركتها في عامي الخامس أو السادس» هكذا كتب الروائي الروسي الشهير ليف تولستوي في دفتره يومياته … متابعة قراءة محراب الاعتراف
ترويض الكآبة
«إن المعاناة هي نتيجة المسافة بين الأنا والأنا المثالية، والمسافة بين صورتي عن نفسي وما أريد أن أكون»جوزيف ساندلر (ت1998م) (1) ماذا تصنع حين تحزن؟ أعني إذا غرقت في لجّة غمّ سوداء، لا مجرد كدر عابر، بل حين تفقد المتعة تمامًا. حين يضطرب نومك، أو يتزايد أكثر مما ينبغي، حين تشعر بأن طاقتك اليومية تنفد … متابعة قراءة ترويض الكآبة
من الإشارة إلى العبارة : بحث في المنامات
"الرؤيا من عجائب صنع الله، وهي من أوضح الأدلة على عالم الملكوت" (أبو حامد الغزالي ت505هـ) "سدُّ طريق الحواس شرط لفتح حواس القلب، ألا ترى أنك لا ترى شيئا في اليقظة، فإذا نمت رأيت أشياء كثيرة؟ كذلك إذا سددت عليك في اليقظة طرق الحواس انفتحت عليك حواس القلب" (نجم الدين الكبرى ت618هـ) رأت امرأة شابة … متابعة قراءة من الإشارة إلى العبارة : بحث في المنامات
الشعور بالذنب
يلاحظ بعض المحللين شيوع شكوى الأفراد من ألم "الشعور بالذنب" في الزمن المعاصر، ومظاهر ذلك متعددة، فتظهر مثلًا في انتشار خطاب مسامحة الذات، وفي الاهتمام الذي تبديه المعالجات النفسية بهذا اللون من الشعور الممضّ والممرض، وكما يلاحظ المعالج النفسي إيرفن يالوم -على لسان إحدى شخصياته الروائية- فقد أصبح لدى "كل معالج متمرّس ترسانة من أساليب … متابعة قراءة الشعور بالذنب
الحضن الأول
لم يبدأ الاهتمام بالأم والأمومة في دراسات التحليل النفسي إلا في العشرينات من القرن العشرين، بينما هيمن على الدراسات المبكرة تحليل العلاقة بالأب، ومن أشهر هذه الدراسات التي انشغلت باستكشاف طبيعة العلاقة التي تنشأ بين الطفل وأمه، وتأثيرات هذه العلاقة على الوعي بالذات ونمو الهوية الشخصية؛ أطروحة المحلل النفسي الإنجليزي دونالد وينيكوت (ت1971م) والتي تقسم … متابعة قراءة الحضن الأول
بين عمل الأبدان وعمل الأذهان
يتحدث الأنثروبولوجي الراحل ديفيد جرايبر (ت2020م) عن الوظائف الهرائية، ويكتب: «في الحقيقة لم ألتق بمحامي شركة لا يعتقد أن عمله عبارة عن هراء... كيف يمكن لأحدهم أن يتحدث عن الكرامة في العمل بينما يعتقد في سره أن مثل وظيفته لا ينبغي أن توجد»
الذات والدولة لدى ربورت موزيل
(1) قُدّر لروبرت موزيل -الروائي النمساوي البارز- أن يعيش في واحدة من الفترات المؤثرة في التاريخ الحديث، حيث امتدت حياته في المدة ما بين 1880م حتى وفاته عام 1942م. اشتغل موزيل في بداية حياته بدراسة الهندسة في شتوتغارت، وتخرّج مهندسًا عام 1901م، ثم تركها واتجه إلى برلين لدراسة الفلسفة وعلم النفس، وحصل على الدكتوراه في … متابعة قراءة الذات والدولة لدى ربورت موزيل
مسرّات في زمن كورونا
في الحادي عشر من يونيو عام 1665م وفي أحد أحياء مدينة لندن رأى الكاتب الإنجليزي صمويل بيبس (ت1703م) باب الطبيب بورنت موصدًا، ولما عاد إلى بيته، كَتَب في يومياته المعروفة: "رأيت باب الدكتور المسكين بورنت مغلقًا. لكني سمعت أنه اكتسب سمعة طيّبة بين جيرانه؛ لأنه اكتشف بنفسه أولًا أن خادمه وليام أصيب بالطاعون، فحبس نفسه … متابعة قراءة مسرّات في زمن كورونا
من تبعات التحول القانوني على الشريعة
في كتابه (مساءلة العلمانية-الاسلام والسيادة وحكم القانون في مصر الحديثة) يتحدث أستاذ الأنثربولوجيا بجامعة شيكاغو حسين علي عجرمة عن ما يسميه "بعض تبعات التحول القانوني على الشريعة" في الحالة المصرية بعد توحيد نظامها القانوني وإلغاء المحاكم الشرعية عام ١٩٥٥م، ويكتب: «…أدى تحجيم المحاكم الشرعية في نطاق الأحوال الشخصية إلى تغيير جذري لممارساتها المؤسسة، هناك مثال … متابعة قراءة من تبعات التحول القانوني على الشريعة
التاريخ الاجتماعي لمرحلة الطفولة “الجديدة”
- مدخل شهدت الحقبة الحديثة من تاريخ العالم تبدلات متنوعة في السياق الاجتماعي لمرحلة الطفولة والموقف منها، وقد قدّم حقل التاريخ الاجتماعي المعاصر أطروحات هامة لكشف التحولات الحديثة في هذا الصدد. وإن كان يظل هذا الحقل كغيره من حقول التاريخ الثقافي والاجتماعي يقع دوماً تحت وطأة مآزق منهجية تتعلق بصعوبة التفريق بين ما هو طبيعي … متابعة قراءة التاريخ الاجتماعي لمرحلة الطفولة “الجديدة”
في الطريق إلى مجتمع “الصفوة”
لاحظ باحثون في دراسة منشورة عام 2010 بعنوان «التعبير عن مكانة البضائع الفاخرة: دور أهمية العلامة التجارية» أن حقائب اليد التي تحمل علامة بارزة وواضحة جداً من علامات أمثال Gucci أو Vuitton تكون أقل سعراً، في حين أن الموديلات من نفس الماركة والتي تكون العلامة التجارية عليها صغيرة أو غير واضحة أو حتى غائبة تكون … متابعة قراءة في الطريق إلى مجتمع “الصفوة”
نشوء الرواية الحديثة
(1) يتساءل البعض -وهو سؤال متكرر بصورة مملة- ويبدي انزعاجه من ندرة مراكز الأبحاث في العالم العربي، وعن أسباب تفوق الرواية المترجمة –الغربية تحديداً- على الرواية العربية عموماً، وعن غياب مؤسسات سياسية واقتصادية معينة في بلداننا، أو تيارات فكرية أو فلسفية أو أدبية بعينها..الخ. تستند أكثر هذه المطالبات عادةً إلى مغالطة -يتوهم أنها بدهية- تعتقد … متابعة قراءة نشوء الرواية الحديثة
ملكة جمال الدولة العثمانية
في عام 1350/1932 -وبعد سنوات قليلة من إعلان نهاية الدولة العثمانية- بدأت الدولة الأتاتوركية الناشئة بالمشاركة في مسابقة ملكات الجمال في العالم، وقد فازت في تلك السنة المرشحة التركية، والتي كانت –وياللمفارقة- حفيدة آخر شيخ للإسلام في الدولة العثمانية. لم تكن هذه الحكاية سوى إشارة صغيرة عن حجم التحويل الأتاتوركي القسري المتسارع والتجريف العنيف لقيم … متابعة قراءة ملكة جمال الدولة العثمانية
أكثر من الحب وأكثر من الخمرة
- مبتدأ في أكثر ما يمرّ بي من قصص، وحكايات، وتواريخ، وروايات، وسرديات شخصية أو عمومية، لا أستطيع تحاشي سؤال المعنى. ما الدافع الذي يحفز هؤلاء الناس على القيام من السرير صباحاً؟ كيف يواصلون المسير برغم الألم؟ كيف يتجاوزون الأزمات؟ من أين يحصلون على الأمل والتفاؤل؟ لماذا لا ينتحر العدمي في هذا العالم الموحش؟ كيف … متابعة قراءة أكثر من الحب وأكثر من الخمرة
هل “الرومانسية” الزوجية اختراع حديث؟
ضمن الدراسات التاريخية الحديثة التي عملت عليها مدرسة الحوليات الفرنسية، وهي مدرسة علمية أسسها لوسيان فافر، ومارك بلوخ، وفردينان برودال وغيرهم، واهتمت بدراسة التاريخ دراسة تحليلية، وتجاوزت الدراسة التقليدية للتاريخ بسياق الأحداث السياسية، إلى التواريخ اللاوقائعية.. من ضمن تلك الدراسات ما يسمى بحقل"تاريخ الذهنيات"، وقد توصل بعض الباحثين في هذا الحقل في مجال تاريخ الحب … متابعة قراءة هل “الرومانسية” الزوجية اختراع حديث؟
ثواب الروح
أعرف رجلاً تصدق بـ١٠٠٠ ريال ولم يحصل على عشرة أضعافها حتى الآن. وآخر غضّ طرفه عن حسناء ولم يعثر على زوجة تضاهيها. وثالث برّ بوالدته براً عظيماً ولم يصبح ثرياً. ورابع مواظب على الصلاة ولم يجد وظيفة، وخامس ترك وظيفته المحرمة وواجه صعوبات مالية.ربما لا أعرف كل ذلك حرفياً، ولكنه موجود في الواقع بالضرورة، وما … متابعة قراءة ثواب الروح
حظر الحِمَى
من المعاني الدالة على تمام الحكمة وكمال الرحمة والعلم بمقتضى الطبع البشري أنه كلما قويت نوازع النفس لأمر محظور كثر في الشرع الحواجز دونه، من حظر المقدمات ومظان الولوغ في الذنب، وهذا تراه في المحظورات المتعلقة بفتنة النساء، والمال، والسلطة، وما شابه ذلك.فلو أبيح النظر للمستحسنات والمصافحة والخلوة بهن، أو جاز في الشرع تناول قليل … متابعة قراءة حظر الحِمَى
أوهام منعشة
لماذا يصدق الناس بخرافة الأبراج؟ وبأوهام تحليل الخط؟ والتوقيع؟ وبعض برامج تحليل الشخصية؟وما شابه ذلك. الأسباب متنوعة، لكني سأشير لسبب مركزي في نظري، وهو أن الناس يقعون عادة ضحية لما يسمى"تأثير بارنوم"، والمقصود به هو الميل إلى الاعتقاد بدقة العموميات الغامضة. دخلت لصفحة تهتم بتحديد الشخصية من خلال الأبراج، وكانت تحظى بمتابعةكبيرة نسبياً، واقتبست منها نموذجاً تطبيقياً، ووجدتهم يزعمون أن أصحاب برج العقرب يتسمون بـ: 1-الوفاء 2- العاطفة 3-الحيلة 4-دقة الملاحظة 5-الديناميكية وتلاحظ أن كل هذه الصفات شديدة العموم، وأكثر من يقرأ هذه الصفات سيعتقد أنها صفاته الشخصية بدرجة أو أخرى، وهي كذلك غالباً، وفي الإنسان ميول خفية للتصديق بأدنى وهم يكرس من شعوره بالتفوق أو التميز أو الفرادة، فإذا صادف وأن كانت ولادته في برج العقرب فسيزداد قناعة بمصداقية هذه الخرافة، وأحياناً يتمادى به الوهم لتقمّص بعض هذه الصفات. وذهبت لموقع آخر يزعم صاحبه أنه يحلّل الخطوط، ويستدل بها على شخصية صاحب الخط والتوقيع، ووجدته يحلل توقيع لاعب معروف، ويذكر أن توقيعه يدل على أن لديه خوف من المستقبل، لكبر الهامش الأيسر في التوقيع كما يقول . لاحظ فكرة "الخوف من المستقبل" فهي تصدق على 99%من البشر حول العالم. والغالب أن ذلك اللاعب لديه فعلاً خوف ما من المستقبل، كأغلبنا. فالتعميم الشديد في مثل هذا التحليل يشعر بمصداقية زائفة، وهذا بالضبط هو"تأثير بارنوم". وأما ذكر المحلل لكون … متابعة قراءة أوهام منعشة
الأفكار تموت؟
(الأفكار لا تموت، ومنع الفكرة لا يمحوها، وقتل صاحبها وملاحقة أتباعها يمنحها طاقة وجود متجددة). هذه الجمل تلخص ثيمة أساسية عند كل الحركات النضالية المعاصرة، وتمثل عزاء حارا لكل مقموع أو محارب. كما يتبناها بعض الحقوقيون المعتنقين للحقوق ضمن المنظور الليبرالي في مسعاهم للدفاع عن بعض أشكال الحريات. هذا التصور اختزالي، ويحكي جزءا من الصورة. الفكرة تموت -في كثير من الأحيان- بفعل الإبادة المادية والمعنوية، كما أن تشديد الرقابة عليها وملاحقة أتباعها يقلص كثيراً من فاعليتها، ويخرجها من دائرة التأثير، بل ومن التاريخ، فالأفكار لاوجود لها ولافاعلية بدون ذوات تتبناها. تعرضت الأفكار القومية والشيوعية/الماركسية لمقاومة شرسة وملاحقة واعتقالات وتنكيل وتنديد إعلامي ضخم من بعض الحكومات (دول أوروبا الغربية، الولايات المتحدة في الحقبة المكارثية، دول الخليج،…الخ) إبان الستينات والسبعينات، ونجحت هذه الملاحقة والتنكيل في تقليص الوجود الفاعل لتلك الأفكار، حتى لميزد عدد كوادر بعض اللجان القومية في بعض الدول عن أصابع اليدين! أيضا: أتاتورك استطاع هدم الهوية الاسلامية من تركيا في عدة عقود، وذلك بالقمع، ولم يستطع الاسلاميون أن يصلوا للحكم إلا بعد تقديم تنازلات ضخمة كاعترافهم بالمشروع العلماني. وهذا ينطبق بصورة جزئية على إيران ما قبل الخميني وعلى تونس. وانظر في المذاهب الباطنية وأفكار الحلول والاتحاد، وغيرها من الأفكار في طول التاريخ الإسلامي كان قمعها وقتل أصحابها سببا رئيسيا في محدودية انتشارها وتأثيرها، مع ملاحظة عدم امتلاك الدولة القديمة لوسائل القمع والتعذيب والمحاصرة المعاصرة، وهذا يعني مزيداً من فاعلية المنع. كما أن تلك الجمل السابقة تتجاهل حقيقة أن أكثر الناس يخضعون لغرائز الخوف والجبن والهلع، والرعب من الاعتقال أو الملاحقة، فضلاً عن القتل وهذا يؤثر جوهرياً في سلوكهم الفردي، ثم سلوك الأفراد يؤثر شعورياً ولا شعورياً في اتجاه المجموع، فتكون المحصّلة حدوث منافرة جماعية للفكرة والرمز المضطهدرسمياً. ومع ذلك لايمكن إنكار دور كاريزما القائد واستشهاد الرمز في جذب المزيد من الأتباع، ولكن ذلك لايمثل قاعدة في السلوك الجماعي البشري، هي جزء من الصورة، فالظروف التاريخية تساعد فيإعطاء الفكرة الملاحقة أو الرمز المضطهد زخم خاص، يسمح بتمدد قاعدة المنتمين. ويمثل الإسلام كديانة خاتمة استثناء من هذا السياق، لكونه محفوظ بحفظ الله، وبرعايته تعالى، فلا يفلح المنع ولا الملاحقة في تحجيمه ومنعه من الظهور والتمدد. إذاً، الفكرة قد تموت، والمنع والملاحقة يساهم عادة في تحجيمها وبكفاءة.
الأديان الجديدة
منذ أن خرج الانسان القديم عن سنن الوحي فعبد الاصنام ومجسمات الصالحين وسائر المبصرات العظيمة، وحتى التاريخ المعاصر، حيث توهم الإنسان الحديث أنه فارق الدين بصورة نهائية، وهو في حقيقة الأمر لم يفارق الدين كبنية ذهنية، ورؤية كلية، وإطار عمل، فالبنية التصورية عن العالم، والأشياء، والآليات الداخلية لاشتغال الأنظمة العقائدية وعموم الآيديولوجيات الأرضية، تحمل جذور … متابعة قراءة الأديان الجديدة
الرحلة من الذات إلى الموضوع
من المعتاد أنك إذا ذكرت لمحة من السلوك الشخصي لفيلسوف ما، أو مفكر أو عالم في أي علم، بغرض تدعيم نقض أقواله وأفكاره، أن يواجهك اعتراض: وما علاقة أفكاره وآراؤه بحياته الشخصية التي لا تهمنا؟ وقد تتهم بإرادة التشويه والإسفاف. هذا الاعتراض لابد من إخضاعه للتحليل والتفكيك، وهو ينطوي على افتراض رئيسي بوجود انفصال موضوعي … متابعة قراءة الرحلة من الذات إلى الموضوع
لماذا يتراخى البعض عن نصرة المظلوم؟
أحد النماذج التفسيرية المهمة التي تفسّر سلوك الناس المتواطئ حيال مظالم وانتهاكات السلطة، (أي سلطة، السياسية، أو الأكاديمية، أو الاجتماعية) هو "الإيمان العميق بعدالة الواقع". وهذا يعني أن معظم الناس حين يواجهون أو يسمعون حادثة قمع أو انتهاك من نوع ما لشخص، (مثل اعتقال شرس لجهة أمنية، أو حادثة تعذيب لمتهم، أو قرار أكاديمي يضر بطالب أو دكتور ما، أو فصل موظف من عمله، أو سلوك أب يضرب ابنه أو ابنته بقسوة في مكان عام) لدى معظم الناس شعور واضح حيال ذلك، وهو شعور باستحقاق الضحية لما تتعرض له، ولابد وأنه ارتكب جرماً ما، يخول عقوبته، أو تأديبه. هذا إيمان ما ورائي/ميتافيزيقي بعدالة الواقع، مع الجهل المطبق بالمعطيات اللازمة للحكم الأخلاقي -على الأقل-. وهذه القناعة ناتجة عن ضرورة إنسانية دفينة، ضرورة لعقلنة الظواهر، وجعلها مفهومة، وإرساء نظام ثابت من المعاني، يتيح إنتاج الروابط المنطقية، والمباشرة، إزاء الظواهر. هل يمكن أن تعذب الشرطة أو تعتقل رجلاً بريئاً تماماً؟ هذا الإيمان يرفض هذه الإمكانية بانتهاك حق الحرية لبريء، لأن القبول بها يعنيإفساد النسق الدلالي للأشياء. الشرطة تعتقل المجرمين، هذا ثابت دلالي لا يحتاج لبرهنة، وإذا أفسدت هذا الثابت، وقلت بأن الشرطة تعتقل الأبرياء، ستحتاج مصفوفة براهين، ودلائل قاطعة، وهذا في أكثر الأحوال غير متوفر، وربما يعتمد الناشط الحقوقي على معرفته العمومية، ليوجه للشرطة الاتهام بالاعتقال لغايات سياسية، ولتصفية حسابات شخصية، ولمجرد زرع الرعب. ولكن لا تنجح هذا الاتهامات دائماً، لشح معلوماتي معتاد بفعل سيطرة السلطات على مصادر المعلومات. وهذا الاعتقاد بعدالة المجريات يولّد شعوراً بالطمأنينة والأمان لدى الجمهور، فما دام أحدهم لم يذنب فهو متأكد بأنه لن يكون ضحية يوماً ما لقهر السلطة. وأيضاً مما يساهم في تكريس تلك القناعة، أن السماح بتمدد هذه الإمكانية (إمكانية تعسف السلطة/المعتدي) سيضاعف الحمل والمشاق المعنوية على الضمير، وستنبعث الإرادة الخيرة لمهمة الدفاع، وهذا دفاع أو احتجاج شائك، وخطر. إذاً فلتتمسك بالإيمان الكفيف بعدالة الواقع، وأن من يعاقب، هو بالتأكيد مجرم، بصورةما، لتتخلى عن متاعب تمحيص الحقائق، والفهم النافذ للظواهر المعقدة. وقد أشارت د.بسمة عبدالعزيز في كتابها الرائع (ذاكرة القهر) لجوهر هذا الفكرة، وأنا هنا أعدت صياغتها، وشرحها. وبينما كنت أقرأ كتاب (هروبي إلى الحرية) لعلي عزت بيجوفيتش وجدته قد دوّن ملاحظات مهمة … متابعة قراءة لماذا يتراخى البعض عن نصرة المظلوم؟
تعقيد الظاهرة الانسانية
يولد الطفل وتولد معه الأسئلة. السؤال والفضول لمعرفة الأشياء غريزة إنسانية دفينة. في البدء تتكفل الأم بالجواب على أسئلة الطفل، ثم الأب، ولا يراعي الأبوان في الغالب الدقة في الجواب، بقدر مراعاتهم لتقديم فكرة تبسيطية عن الجواب، يعتقدون أنها تناسب وعي الطفل، هذا في أفضل الحالات، بينما يواجه الطفلعند آخرين بالإخراس الجبري، أو الإعراض، لاسيما حين تكون الأسئلة ذات طابع غيبي أو جنسي. نتجاوز مرحلة الطفولة، ونظفر بجوابات متنوعة، عن أسئلتنا، وتأتي المدرسة لتعطينا مصفوفة طويلة من الإجابات عن ما نود معرفته، وما لانود. نكبر أكثر، وتهطل أسئلة جديدة، ولا نكتفي بإجابات ساذجة، ونغوص أكثر. وهنا تبدأ حاجتنا للاكتشاف الذاتي، للمكابدة/للمغامرة الشخصية من أجل الوقوف على حقائق الحياة، ومحكمات الشريعة، وظواهر الطبيعة، وحقيقة الجوهر الإنساني، وماهية النفس، والروح، وما إلى ذلك، بحسب ما يستهوينا من جوانب الحياة الواسعة. بعضنا يستمر محافظاً على روح الفضول اللذيذ، والبحث الدائم، والتنقيب المستمر عن دهشة التعرف على الأشياء، بينما آخرين اكتفوا بقوالب الثقافة الشفهية، وخبرات المجالس، وعناوين الصحفالالكترونية. أود أن أتوقف الآن، لأذهب لتأمل مسارين من مسارات الأجوبة، والأفكار التفسيرية للظاهرة الإنسانية في كافة تجلياتها. وهذان المساران قد لا تجد لهما تمثّل محض في ما تقرأه أو تسمعه، وهذه القسمة لمجرد إيضاح الفكرة عبر الانقسام الثنائي. الأول: التفسيرات والتحليلات الساذجة أو الاختزالية، وهي تفسيرات تعتمد على الإحالة إلى عامل واحد لتفسير ظاهرة ما، أو عوامل محدودة، وتسير أطروحاتها في سياق تأويلي مغلق، وتفقد القدرة على الانغماس والحفر في الطبقات والأغوار الداخلية. إجابات وتحليلات مصمتة، أحادية، معلبة. (تآمر الماسونية أسقطالدولة العثمانية/العنف نتيجة اضطراب نفسي/داعش عملاء/تفشي الاستبداد بسبب ثقافة تاريخية/تزايد الطلاق لفشل الجيل الجديد في تحمل المسؤولية/المال لا يجلب السعادة/انتشار الإلحاد بسبب مشاكل نفسية/الرسوب نتيجة الغباء/النظام الصارم هو طريق النجاح/فشل التعليم لفشل المعلم/التحرش سببه سفور الفتاة/الحب الحقيقي معدوم/سقوط الأندلس سببه الترف/…الخ)، والخلل الأساسي في مثل هذه المعالجات تعود لفشلها في إدراك الصيغ المعقدة والمركبة للظواهر الإنسانية، واغترارها بأهمية عامل ما. المسار الثاني في تناول الظاهرة الإنسانية: التفسيرات والتحليلات التي تضع في الاعتبار شدة تركيب وتعقيد الظواهر الإنسانية، وأود قبل المضي في توضيح ذلك أن أذكر مثالاً طريفاً لما نحن بصدده: في لعبة كرة القدم الشهيرة في البلاي ستيشن، حصلت تحولات كبيرة منذ صدور أوائل الإصدارات في 98م وقبلها، وحتى الإصدار الجديد، وتتسم الإصدارات الحديثة بشدة المقاربة للعبة في الواقع. وإذا تجاوزنا جودة الإخراج، ودقة صور اللاعبين…الخ من مظاهر الإتقان الفني والشكلي، نجد أن الإبداع الحقيقي حصل في بنية اللعبة من الداخ، بحيث انفتحت أمام اللاعب إمكانيات تمريرات وتحركات وتسجيل أهداف وتكتيكات هجومية تكاد تكون غير نهائية تقريباً، إذاً الجاذبية التي تحققها اللعبة باستمرار عبر"محاكاة الواقع" تقع في مقاربة أولية لحرية الإرادة البشرية لتتفادى مشكلة الإصدارات القديمة التي لم يكن فيها أمام اللاعب إلا بضعة تكتيكات قليلة يضمن بها الفوز، بحيث تفقد اللعبة تشويقها بعد مدة من استنفاد هذه التكتيكات. وقل مثل هذا عن كثير من الألعاب الالكترونية المشابه. حتى في تفسير جاذبية لعبة الشطرنج يقول بعض مؤرخيها أنه منذ اختراعها لم تتطابق لعبتا شطرنج بنسبة100% أبداً، لكونها تحتمل تنقلات شبه لا نهائية. والمراد من كل ما سبق بيان أهمية اعتبار حرية الإرادة البشرية، وأن الإنسان كظاهرة لا يمكن حشره في قوالب نظرية جامدة، بدافع كسل نظري، أو ظاهرية ثقافية، فعند تناول ظاهرة كالتحرش مثلاً، أو الطلاق، أو العنف، أو حوادث الطرق، أو انخفاض سعر البترول، تأكد أنك أمام "شبكة" واسعة من المسببات المشاركة في بروز الظاهرة، صحيح أن بعض المسببات أكثر تأثيراً من بعض، لكن لا يستقل أحد منها بإبراز الظاهرة. شبكة مترابطة، ومتواشجة، بصورة غامضة أحياناً، وتفكيكها وإعادتها للعوامل الأولية، ثم رصد تحركات العوامل في السياق التاريخي، تحتاج صبر وجلد جازم. وقناعتك بتعقيد الظاهرة الإنسانية سيجعل صمتك يطول في وسط ضجيج المجالس، لأنك ستدرك صعوبة الأمر، كما سيدفعك ذلك لإطالة التأمل والتفكير، وتقليب النظر. فالإنسان يعيش في ظرف تاريخي، ويتخلله سياق زماني، ويحكمه إطار مكاني، وتأثر في سلوكه ذاكرة ثقافية جمعية، وتراث نفسي خاص وعام،وتاريخ عقلي، وخيالات وأوهام ومخاوف، ونوازع خفية، وشهوات باطنة وظاهرة، وميكانيزمات بيولوجية محضة، وفوق كل ذلك فالإنسان يتحرك بتأثير مباشر من إرادة مفتوحة الاحتمالات، لا يمكن التنبؤ بها بصورة صارمة. وهذا لا يعني شجب الاهتمام ببعض الأسباب، … متابعة قراءة تعقيد الظاهرة الانسانية
كرة القدم بوصفها ديانة جديدة !
مرة كل أسبوع يهرع المشجع إلى الاستاد الرياضي.. ترفرف الرايات، تدوي الألعاب النارية والطبول.. وتهطل أمطار من الشرائط وقصاصات الورق الملونة.. المدينة تختفي، الروتين ينسى.. ولا يبقى سوى المعبد.. وفي هذا الحيز المقدس.. تعرض الديانة ألوهيتها.. وهي الوحيدة التي لا وجود لملحدين بين معتنقيها ! إدواردو غاليانو (1) في عقود الستينات والسبعينات تزايدت سلطة الرياضة، … متابعة قراءة كرة القدم بوصفها ديانة جديدة !