حسرة الأيام الأخيرة

(1)

كشف استطلاع أجرته مؤسسة غالوب عام 2013م شمل قرابة 1.4 مليون إنسان في 166 دولة حول العالم أن معدل الضحك أو الابتسام يبدأ لدى المرء مرتفعًا، ثم ينخفض تدريجيًا مع مرور السنوات، حتى يصل إلى نقطة حرجة في عمر الـ23، حيث يتدهور حينها معدل الضحك إلى أن يصل إلى الحضيض في عقود لاحقة، وفقًا لما أشارت إليه جينيفر آكر ونعومي باجدوناس في كتابهما «أخذ الفكاهة على محمل الجِدّ» الصادر عام 2021م، وذكرتا أن الطفل الذي يبلغ عمره 4 سنوات ربما يضحك في اليوم 300 مرة في المتوسط، في حين أن الشخص البالغ من العمر 40 عامًا يحتاج في المتوسط إلى شهرين ونصف ليبلغ هذا العدد، وهذا التدهور سماه الكتاب «منحدر الفكاهة»:

المصدر: (Aaker & Bagdonas. 2021)

لماذا عمر 23 بالذات؟ ليس من الصعب تخمين الأسباب كما ترى؛ ففي هذا العمر تقريبًا يخرج المرء في زماننا عادةً إلى العالم الحقيقي وتواجهه قبائحه ومسؤولياته؛ عالم العمل، والتخصّص، والترقّي الوظيفي، وبناء العلاقات، وربما أوهام الشغف وأحلام الثروة، ثم مخاوف الارتباط العاطفي وصعوباته…الخ مما لا يخفى.

ولكن المثير للاهتمام فعلًا -كما ترى في الرسم البياني المبني على الاستطلاع- أن معدل الضحك لدى الإنسان يعاود الصعود بقوة مع اقترابه من سنّ الثمانين، ويستمر في الصعود بعد ذلك، ربما لأنه خرج من «العالم الحقيقي»، فلم يعد يكترث كثيرًا لما كان يهمه.

ولكن هذه النتيجة المثيرة قد لا تتلاءم مع الميول المزمنة لظهور الندم العميق لدى الإنسان في أخريات أيامه، فالندم شعور شائع أكثر مما قد يظن بعض الناس، ففي أواسط الثمانينيات أجرت عالمة الاجتماع سوزان شيمانوف بحثًا (Shimanoff, 1984) يرصد المشاعر الأكثر تداولًا في المحادثة اليومية، وبعد تحليل عشرات الساعات من محادثات الطلبة والأزواج (تتراوح أعمارهم ما بين 20 إلى 50 عامًا) الذين قبلوا المشاركة في الدراسة تبيّن أن ثاني أكثر المشاعر تداولًا في الحديث اليومي: الندم، وفي دراسة حديثة تتبعت سلوك عينة من المشاركين السويديين خلال أسبوع، وكانت النتيجة أن أفراد العينة ندموا على 30% من القرارات التي اتخذوها، مما يشير إلى أن «الندم منتشر نسبيًا في القرارات اليومية» (Bjälkebring et al, 2016).

وتذكر الممرضة الأسترالية بروني وير في كتابها الشهير الذي نشر عام 2011م: «أهم خمسة أشياء يندم عليها المرء عند الموت» أنها وجدت من خلال تجربتها مع المحتضرين أن الناس يندمون عادةً على: [1] عدم الشجاعة في اتباع حياة لا تتقيد بتوقعات الآخرين، و[2] المبالغة في العمل أو الجهد في الوظيفة، و[3] عدم الإفصاح عن المشاعر، و[4] التقصير في التواصل مع الأصدقاء، و[5] عدم السعادة.

وقد قرأتُ مرةً عن إحدى العاملات في دور العَجَزة تقول إن كثيرًا من نزلاء تلك الدور كانوا يتمنّون أنهم لم يأخذوا أنفسهم على محمل الجد! (لا زلتُ مرتابًا في معقولية هذه الأماني والندامات التي يجهر بها الإنسان في أواخر أيامه، ومشككًا في دقتّها أو مصداقيتها، وسأحاول إقناعك بعد قليل بعلّة هذه الريبة ودواعيها)، على أن ندم الشيخوخة أعمق وأبعد تأثيرًا من الندم إبان الشباب كما سنرى.

(2)

اعتمدت وير على مشاهدتها الشخصية القاصرة بطبيعة الحال، ومع ذلك فلا يمكن الاستهانة بشيوع هذه الندامات بعينها عند الأخذ بالاعتبار الانتشار الهائل الذي حظي به كتابها، فقد ترجم إلى 27 لغة منها العربية، وقرأه الملايين حول العالم.

وقد حاول نيل روز وايمي سمرفيل (Roese & Summerville, 2005) تجميع جملة من البيانات من أبحاث ومصادر مختلفة لأكثر من 3000 رجل وامرأة تضم أكثر من 4000 موضوع يندمون بشأنه، وبعد الفرز والتصنيف تبيّن أن أكثر من 86% من آلاف حالات الندم هذه تدور حول ستة أمور:

الأول: التعليم: وهو الأكثر تكرارًا (مثلًا: الندم على التقصير في الدراسة)، الثاني: المهنة والوظيفة (مثلًا: الندم على عدم دخول تخصص معين)، الثالث: الرومانسية (مثلًا: الندم على ترك الزواج من فلان)، الرابع: الوالدية (مثلًا: الندم على التقصير في مجالسة الأولاد)، الخامس: الذات: (مثلًا: الندم على عدم الانضباط السلوكي)، السادس: أوقات الفراغ والترفيه: (مثلًا: الندم على التفريط بالرياضة والهوايات أو السفر والسياحة).

وأما بقية الندامات الأقل ورودًا فتتعلق بالشؤون المالية، والصحة، والأسرة والأصدقاء، و«الروحانيات».

كما أجرى مايك موريسون ونيل روز (Morrison & Roese, 2011) بحثًا خاصًا للغرض نفسه، ثم قارنا النتائج مع دراسة روز وسمرفيل كما في هذا العرض البياني:

اللون الغامق يشير إلى نتائج دراسة (Morrison & Roese, 2011)، واللون الفاتح يشير إلى نتائج دراسة (Roese & Summerville, 2005). المصدر: (Morrison & Roese, 2011).

وكما تلاحظ أتى الندم على الحب الضائع والعلاقات غير المُرضية أولًا (19%)، يليها الشؤون العائلية والأسرية (17%)، لماذا ظهر هذا الفرق بين الدراستين؟ السبب واضح، وهو أن بحث (Roese & Summerville, 2005) أُجري -كما هي معظم الدراسات الاجتماعية والنفسية!- على طلبة الجامعة، أما دراسة موريسون وروز فقد استهدفت الأمريكي العادي typical.

وقد اعتمد دانيال بينك في كتابه «قوة الندم» (Pink, 2022) على مشروعين بحثيين بغرض تحليل موضوعات الندم عند الأمريكيين، وأطلق موقعًا على شبكة الإنترنت جمع فيه أكثر من 16 ألف ندم من أشخاص في 105 دولة، كما أجرى استطلاعًا للرأي في يونيو عام 2020م شارك فيه أكثر من 4400 أمريكيًا، وكانت النتائج أن أكثر ما يندم عليه الأمريكي الأسرة “الوالدان، الأطفال، الأحفاد” (22%)، ثم الشركاء “الأزواج، الآخرون المهمون” (19%) (Pink et al, 2021)، وهي نتيجة تتفق مع ما سبق.

ومن طريف النتائج التي وردت في الموقع المشار إليه أن المئات من الأشخاص أبدوا ندمهم على الزواج من الشخص غير المناسب، لكن لم يندم على الإنجاب إلا أقل من 20 شخصًا من أصل أكثر من 16 ألف مشارك! (Pink, 2022).

هل ندامات الرجال والنساء متقاربة؟ إلى حدٍ ما، ولكن وجد (Morrison & Roese, 2011) أن النساء أميل إلى الندم بشأن العلاقات (الرومانسية، العائلية) أكثر من الرجال، في حين أن الرجال أميل للندم بشأن المهنة والتعليم بالمقارنة مع الإناث، وتكررت النتيجة نفسها لدى (Pink, 2022).

(3)

ما الندم؟ هو ذلك الشعور الحزين الناجم عن فعل أمرٍ ما أو تركه (d’Avelar, 2022)، وأحسن من هذا عبارة أبو حامد الغزالي (ت505هـ) رحمه الله فعنده أن الندم «توجُّع القلب عند شعوره بفوات المحبوب»، وعند ابن عاشور (ت1393هـ) رحمه الله هو «أسفٌ يحصل في النفس على تفويت شيء ممكن عمله في الماضي»، وقيل سُمّي شريك الشراب نديمًا؛ «لما يَتَعَقَّبُ أحوالهما من الندامة على فعليهما!» كما أشار الراغب (ت502هـ) رحمه الله في المفردات.  

وإذا دققت النظر في الندامات التي وردت في كتاب بروني وير ستلاحظ أن معظمها يتعلق بالتقاعس عن فعل أمرٍ ما (ضعف التواصل، عدم الشجاعة، عدم الإفصاح، عدم الاستمتاع)، وهذه ملاحظة بالغة الأهمية أثارت نقاشًا ثريًا في أبحاث سيكولوجية الندم.

كتب جون ويتير (ت1892م) بيتًا شهيرًا في قصيدته “ماد مولر”:

«لن يجد المرءُ كلمةً تخرج من لسان أو قلم

أشجنَ من قول الناس: كان يمكن أن يكون..

‏وأشجنُ منها كلمةٌ نرى مصداقها كل يوم:

هو ذا كائنٌ، لكن لم يجب أن يكون!»

إن الندم على المدى الطويل يتولّد لدى أغلبية الناس بسبب عدم فعل أمرٍ ما، لا على أفعالهم -التي قد تكون مزعجة في حينها- لكنها لا تدوم؛ هذا ما أظهرته ورقة مهمة لأستاذ علم النفس اللامع في جامعة كورنيل توماس جيلوڤيتش وزميلته فيكتوريا ميدفيك (Gilovich & Medvec, 1995)، وتابع هذه الفكرة باحثين آخرين، ففي دراسة استقصائية أجريت على عينة من الموهوبين فكريًا (سجلوا معدلات عالية في الذكاء IQ) من كبار السن (معظمهم في منتصف السبعينات تقريبًا) تبيّن أن هؤلاء أيضًا -كعموم الناس- ندموا على ما لم يفعلوه أكثر بكثير من ندمهم على ما فعلوه (Hattiangadi et al, 1995).

ثم تعززت هذه النتيجة في ورقة علمية مؤثرة (Davidai & Gilovich, 2018) بحثت الأسباب البنيوية للندم البشري، وقررت أن «الندم الأدوم عند الناس ينبع غالبًا من التناقضات بين ذواتهم الفعلية وتصوّرهم المثالي عنها»، فأكثر الندم يتولّد عن المسافة الفاصلة بين الذات كما يراها المرء (الفعلية)، والذات التي يتطلّع لبلوغها (المثالية)، فعموم الخلق «أميل للندم على عدم تحقيقهم ما كان من الممكن أن يكونوا عليه، وليس على تقصيرهم في تحقيق ما كان ينبغي أن يكونوا عليه»؛ فهم يتحسّرون على الأحلام الضائعة، والأهداف المتعذرة، والتطلّعات المجهضة، لا على الواجبات المهملة، والالتزامات المهدرة، والمسؤوليات المنسية، ومن المرجح -بحسب الدراسة- أن هذا الندم والأسف المرتبط بالتصور المثالي للذات لا حلّ له ولا حيلة فيه، وهذه علّة دوامه كما سأوضح.

ولذا اقترح بعضهم أن الندم في حقيقته على ضربين: ضرب لاذع وعابر، وضرب حزين ودائم أو طويل المدى، أما العابر فهو الاستجابة الشعورية المباشرة إزاء نتيجةٍ ما، أما الدائم فهو الندم الأسيف «المتعلق بأوهام حزينة لما كان من الممكن أن يكون» (Zeelenberg & Pieters, 2007).

وتبعًا لذلك؛ فالشعور بالندم يستلزم من المرء أن يقارن في خياله بين ما حدث وما كان يمكن أن يحدث بدلاً من ذلك، والندم هو نتيجة هذه المقارنة (van Dijk & Zeelenberg, 2005)، أي أن الندم بهذا المعنى هو العاطفة التي تظهر «عندما نتخيل ما كان يمكن أن يحدث، وكيف كان من الممكن أن تسير الأمور بنحوٍ مختلف» (Geerken, 2017)، وترى الفيلسوفة أميلي رورتي (ت2020م) أن «الندم والمشاعر المقاربة له كالخجل والشعور بالذنب؛ تولّد جميعًا ذكريات “سينمائية” للحدث المؤلم، ومع أن العواطف الثلاث تفضي إلى  “إعادات تخيّلية مهووسة”، إلا أن دور الندم في المخيلة “أكثر حرية”؛ فهو “يتقصّى العواقب البعيدة المدى للفعل، ويستكشف البدائل الممكنة”» (السابق).

في رائعته الروائية «بقايا اليوم» يحكي الروائي البريطاني من أصل ياباني كازو إيشيجورو (الحاصل على جائزة نوبل للآداب عام 2017م) عن جيمس ستيفنز (كبير الخدم في دار لينجتون هول)، وعلاقته المرتبكة والغامضة مع سيدة المنزل “مس كنتون”، التي كانت تعاني علاقة بائسة مع زوجها، وبعد سنوات طويلة التقيا بعد فراق شاسع، وسألها عن زوجها وعن تعاستها معه، فقالت أنها أحبّت زوجها لاحقًا، فهو إنسان طيب، ثم «سكتت “مس كنتون” لحظة، وواصلتْ: “لكن هذا لا يعني بالطبع أن المرء لا تمرُّ به أحيانًا لحظاتٌ كئيبة، عندما يجلس ويفكر ويقول لنفسه: يا لها من غلطة مُرعبة تلك التي ارتكبتُها في حقِّ حياتي! ثم يفكر بحياة أخرى؛ حياة أفضل كان يمكن أن يحياها، فأنا مثلًا أفكر في حياة كان يجب أن أعيشها معك يا مستر ستيفنس… على أيَّة حال؛ عقارب الساعة لا تدور إلى الوراء، ولا يمكن أن يظلَّ المرء دائمًا يفكر فيما كان ينبغي أن يكون، لا بدَّ من أن يدرك أنه أفضل من كثيرين… وأن يكون شاكرًا لذلك».

ويلاحظ المحلل النفسي الأمريكي من أصل هندي سلمان أختر أن «الخيالات Fantasies بطبيعتها تنكر الواقع»، ويصنّف غالب الخيالات إلى نسقين أو بنيتين: (لو كنت فعلت أو تركت) أو (يومًا ما سأفعل أو أترك)، فالنسق الأول ينظر إلى الخلف، أما الثاني فينظر إلى الأمام متفائلًا بمستقبل مشكوك في بلوغه، وما يجمعهما «أنهما يسعيان إلى التهرّب من حتمية المنعطفات التي سُلكت بالفعل» (بواسطة: Kaul, 2017).

ولا شك أن هذه الخيالات من مصادر التعاسة وتشوّش القلب، وقد أخرج مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن “لو” تفتح عمل الشيطان)، لأن ذلك يخالف التسليم والرضا بالمقادير، وفيه اعتماد زائد على الأسباب، وتأسّف على حظوظ الدنيا الزائلة، أما «التأسف على فوات أمور الدين ومصالح الشرع» فلا مانع منه، فقد جاء في السنة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي)، كما ذكر النووي (ت 676هـ) رحمه الله في شرحه على مسلم.

(4)

«لا أندم على أي شيء فعلته في الحياة، لكن أندم كثيرًا على الأشياء التي لم أفعلها، والاختيارات التي لم أخترها، والأشياء التي لم أقلها»؛ هكذا كتب الإعلامي الكوميدي الجنوب أفريقي تريڤور نوا في سيرته الذاتية التي صدرت عام 2016م، وإذا صح أن كثيرًا من الخلق مثل تريڤور «أميل للندم على عدم تحقيقهم ما كان من الممكن أن يكونوا عليه»، وهم أشدّ ندمًا على «الفرص الضائعة» بالقياس إلى غيرها من الندامات (Beike et al, 2009)، فالسؤال: ما سبب ذلك وموجبه؟

للإجابة أعود إلى توماس جيلوفيتش (Gilovich & Medvec, 1995) الذي حلّل ببراعة جملة من الآليات النفسانية والإدراكية التي تكشف عن الأسباب، وذلك من جهات، أولًا: أن مرور السنوات يزيد غالبًا من ثقة المرء بما يمكنه فعله، فحين يندم الهَرِم على عدم تخصصه في طبّ الأعصاب أو في كتابة الروايات أو في علم النحو مثلًا؛ فهو يستند -وإن لم يشعر- إلى ثقته في قدراته التي تراكمت لاحقًا، ومن ثمّ فهو يحسّ بأنه أضاع فرصًا سانحة في سابق أيامه، بينما قد لا يكون الأمر كذلك.

ثانيًا: أن الندم على ارتكاب فعلٍ ما قد يسهل مكافحة آثاره ومقاومته عواقبه، بالمقارنة مع الندم على الترك والتقاعس عن الإقدام على الفعل، فالنادم على الفعل يمكنه استنباط دروس أو مبررات أو جوانب محمودة في ما ارتكبه مهما كان، أما المتقاعس فهو رهين خيالاته التي تتضخم بمرور الوقت، فحين تندم الفتاة مثلًا على زواجها من فلان باستطاعتها تذكّر بعض لحظات البهجة، أو ميزات الشريك “الخطأ”، أو نحو ذلك، ولكن حين تندم على عدم الزواج من الآخر؛ فإن الخيال مشرّع حينها لاختلاق صورة من النعيم الزوجي المفقود، فمدام بوفاري مثلًا كما يكتب جوستاف ڤلوبير(ت 1880م) كانت تتوق إلى مثل ذلك؛ و«تسائل نفسها “أو لم تجد المصادفات طريقاً آخر تدفعها خلاله لتلتقي برجل آخر؟”، ثم تمضي في تخيّل الأحداث التي كانت ستترتب على ذلك؛ الأحداث التي لم تقع، والحياة التي تغاير حياتها الحالية، والزوج الذي لم تعرفه… كان من الممكن أن يكون زوجها جميلًا، مرحًا، أنيقًا، جذابًا!».

وهذا السبب يفسّر نتيجة تلك الدراسات فحين يطلب من المشاركين أن ينظروا إلى ماضيهم ويذكرون ما يندمون عليه؛ فإنهم يذكرون ندمهم على عدم الفعل والفرص الضائعة؛ لأن الندم على فعل معين في الغالب محدود الأثر، أما الندم على التقاعس فتتناسل تفاصيله في المخيلة بمرور الوقت اعتمادًا على قائمة لا تنتهي من الاحتمالات المركّبة (Tuch, 2017)، وقد شككت طائفة من الدراسات في كون أن أغلبية الندامات تتعلق بما لم يفعله المرء (Zeelenberg & Pieters, 2007) ورأت أن غالب ندم المرء يكون على أفعاله وحماقاته القديمة.

ثالثًا: أن مرور السنوات يُفقد الظروف والسياقات الدقيقة التي منعت المرء من اتخاذ مسار أو قرار ما تأثيرها النفسي، بسبب اضمحلالها التدريجي أو ضبابيتها في الذاكرة، ولذا كثيرًا ما يتساءل المرء ما الذي منعه من هذا الفعل أو ذاك قبل سنوات، لكونه ربما فَقَد القدرة على استرجاع السياق النفسي والعقلي الذي أدى به إلى الترك أو التقاعس.

ومن المعلوم أن أفعال المرء عمومًا قد تكتسب بعد مرور الزمن صبغة مختلفة، لا سيما عندما ينظر المرء إلى مجمل حياته الماضية ككل (d’Avelar, 2022)، فالإنسان من حين لآخر في مسار حياته يراجع ماضيه ويبني نسخًا جديدة من تاريخه الشخصي، عبر إعادة تقييم الأحداث الماضية ومعاودة ترتيبها، تفاعلًا مع الخبرات المتجددة وظروف الحياة الجوانية (الاستعدادات النفسية والبيولوجية) والبرانية (السياقات التاريخية والثقافية والاجتماعية والمادية)، وتجاوبًا مع توقعات المرء عن ما بقي من حياته، وهكذا قد تتغير عمليات بناء التاريخ الشخصي تغيرًا كبيرًا مع تغيّر الظروف ومعايير التقييم، وينعكس ذلك على الندم بشان أحداث بعينها، حيث يتغيّر موقعها بسبب ديناميكية السردية الذاتية، وقد رأى الفيلسوف آر جاي والاس في كتابه المعنون «الرؤية من هنا» الذي يتضمن مناقضة ضمنية لكتاب توماس ناجل الشهير «الرؤية من لا مكان» أن «تعلّقات المرء الحالية تحدّد بشكل أساسي وجهة نظره تجاه حياته الخاصة ككل»، وأن هذه العملية «لها تأثيرات بالغة الأهمية على النظرة التي يشكلها المرء عندما ينظر إلى ماضيه متأملًا كل من القرارات التي اتخذها وعلاقتها بالعالم الاجتماعي الأكبر الذي يعيش فيه» (Wallace, 2013).

وقد يدخل هذه العملية الكثير من الأوهام والتخيلات والأغاليط، ولذلك يذهب جوليان بارنز بعيدًا في روايته البديعة “الإحساس بالنهاية” ويقول إن «التاريخ [الشخصي] هو ذلك اليقين الذي يحدث عند النقطة التي تلتقي فيها عيوب الذاكرة مع عدم كفاية التوثيق!».

رابعًا: قد يتعلق الأمر أيضًا بما يسمى «تأثير زيجارنيك Zeigarnik effect» الذي يعني الحاجة النفسية للإغلاق والاكتمال، فهذا التأثير يعني أن «القصد إلى تنفيذ مهمة ما يوّلد حالة من التوتر النفسي يجعل المهمة حيّة في النفس حتى تغلق وتكتمل، ويتحرر التوتر»، ولذا يكثر الندم على الأفعال التي لا يزال من الممكن تنفيذها أو اكتشاف عواقبها، فيكثر ندم المرء على عدم تعلم الفرنسية مثلًا عندما يتخيّل أنه لا يزال من الممكن تعلّمها، وهذا الشعور يجعل هذا الندم أدوم من غيره. يقول تريڤور نوا:

«نمضي وقتًا طويلًا في الخوف من الفشل، والخوف من أن نرفض، لكن الندم هو الشيء الذي يجب أن نخاف منه أكثر من أي شيء آخر، فالفشل جواب، الرفض جواب، أما الندم فهو سؤال أبدي؛ لن يكون لديك جواب عليه (ماذا لو/ما الذي كان يمكن أن يكون) لن تعرف أبدًا، أبدًا كيف، وسوف يلازمك طوال حياتك!».

خامسًا: وهو من أهم الأسباب في نظري، وهو ما يسميه جيلوڤيتش «تكاليف الفرصة البديلة» أو الضريبة الحتمية للقرارات الشخصية، فحين يندم الهَرِم على تركه الهجرة إلى بلد آخر ينسى حينها الضريبة الباهظة التي تنتظره لو فعل، وحين يندم على عدم موافقته على وظيفة ما قبل 60 عامًا فهو لا يذكر حينها الخيارات الأخرى التي كانت ستفوته.

وأما كلمة تريڤور نوا التي مضت عن ندمه على ما لم يفعل فقد كتبها وهو لا يزال شابًا في مطلع الثلاثين من عمره، وهذا الندم لا يليق بالشبان كما رأينا، لأن الأمر كما يقول الأمريكي جون باريمور (ت1942م) «لا يهرم المرء حتى تقعد نداماته في مقعد أحلامه»، وقد توصلت (Wrosch & Heckhausen, 2002) إلى أن ندم الهِرِم على ما لم يفعله تؤثر أثرًا بعيدًا في نفسه أكثر مما يفعل ندم الشاب، لاعتراض القيود الاجتماعية والبيولوجية التي تحيط به من كل جانب، وبسبب ضآلة الفرص التي تتاح له، بخلاف ندم الشاب في مطلع حياته (لا سيما وأن الندم ينشأ لدى الإنسان مبكرًا؛ ففي دراسة (Weisberg & Beck, 2010)  لوحظ أن الأطفال في سن الخامسة شعروا بالندم دون أن يقدروا على تفسيره)، فالشابّ قد يجد في الندم على ما فاته محرضًا له على تدارك نظيره، والتجافي عن تكرار تقاعسه فيما يستقبل من الأيام بخلاف غيره.

وهذا ما ظهر بوضوح في استطلاعات (Pink, 2022) حيث تبين أن الندم على التقاعس عن العمل يزيد مع تقدم الإنسان في السن، فمن كانوا في العشرين من العمر تساوى لديهم الندم على الفعل أو عدمه، ولكن مع تقدم الناس في السن، بدأ الندم على التقاعس عن العمل يسود النتائج، وبحلول سن الخمسين كان الندم على التقاعس عن العمل أشيع بمقدار الضعف من الندم على الفعل.

(5)

أعود الآن لندامات بروني وير، وكما ترى فقد اتضحت بعض مبررات التشكيك التي أخبرتك بها أعلاه، فالأمنية الأولى المتعلقة بـ«التحرر من توقّعات الآخرين» تبدو غالبًا غير منطقية، لأنها ببساطة ضد منطق الاجتماع الإنساني في أحيان كثيرة، ولذلك يقولها المرء حين يكون على وشك مغادرة هذا «الاجتماع»، وكذلك فالأمنية الثانية تتعلق غالبًا بظروف الحياة في لحظتها حيث يضطر المرء للعمل المجهِد لتحقيق ما يرجو من الكفاف أو ربما الرخاء، كما أنها قد تعني الخروج من اللعبة الرأسمالية في البلدان الصناعية الثرية.

وكذلك الحال في بعض الندامات الواردة في دراسة (Roese & Summerville, 2005) المتعلقة باختيار تخصص أو وظيفة أو زيجة ما، فقد لا تخلو من خيالات وأوهام بأثر رجعي، وتناسي عميق للسياقات والظروف والضرائب الضرورية، وهذا لا يعني أني أنكر أهمية الخبرة والتجربة الحياتية، أو صحة بعض هذه الحسرات وجدارتها بالمراعاة للمقبلين الجدد على الحياة، ولكني لم أستطع منع نفسي من الاعتقاد بأن كثيرًا من تلك الأمنيات والندامات تتعلق برثاثة الوجود نفسه، أي أنها تتوهم نموذجًا مستحيلًا للأحداث، فعيش أفضل حياة ممكنة لا يتيسر إلا للندرة الضئيلة من الناس، وكثير من الحسرات الأخيرة تتوهم حياة غير حقيقية كان من الممكن الحصول عليها، والندم يكون بقدر الوهْم. وإن جاز لي أن أندم على شيء فعلًا من هذا الصنف من الندامات فإن «ندمي الوحيد في الحياة هو أنني لستُ شخصًا آخر!» كما قال وودي آلن ذات مرة.

(6)

في روايته “الغريب” يحكي ألبير كامو (ت 1960م) عن بطل الرواية المتهم بالقتل أنه وبعد اتهام المدعي العام له بعدم إظهاره أي ندم على جريمته المزعومة، قال: «كان بودي لو أشرح له بود، بل بما يشبه المحبة، أنني لم يكن في استطاعتي قطّ أن أندم على أي شيء؛ فقد كنت دائمًا مأخوذًا بما سوف يحدث، بما يمكن أن يقع اليوم أو غدًا». هل هذا ممكن؟ أو هو حلم حداثي مستحيل؟

تقول الفيلسوفة آنا جوتليب: «الطريقة التي تعاملت بها الثقافات (الحديثة والغربية بشكل عام) مع التهديدات الوجودية للندم تتراوح ما بين الدفاع والرفض» (Gotlib, 2019)، وقد تكررت ملاحظة العديد من النقاد والباحثين عن النفور الشامل من الندم الذي يجتاح الثقافة الأمريكية والغربية المعاصرة، فخطابات هذه الثقافة مملوءة بالحديث عن ضرورة قطع التفكير في الماضي، والتركيز على الحاضر والمستقبل، ولسان حالها كما يُنسب للرئيس الأمريكي الأسبق هاري ترومان (ت 1972م): «لا تهدر أبدًا دقيقة واحدة في الندم؛ إنه مضيعة للوقت!».

تسري هذه الروح الكارهة للندم في ثنايا الثقافة المعاصرة، ويعد الندم فيها علامة على المرض أو الضعف أو عدم الجدوى، فهناك اعتقاد واسع و«شعور عام في مجتمعنا [الغربي] بأننا يجب أن نعيش حياة خالية من الندم» (Shah, 2017)، وقد تجلّى هذا الشعور بكثافة في فنون الثقافة الشعبية كالأغاني، فقد سجّلت المغنية الفرنسية الشهيرة اديث بياف في أكتوبر 1960م أغنية بعنوان «لا ندم Non, je ne regrette rien»، وعلى إثرها غنّى طوال العقود التالية فئام من المغنيين وكتبوا في المعنى نفسه، كإيلا فيتزجيرالد، ونجم البوب البريطاني روبي ويليامز، وتوم راش وإيميلو هاريس، وبوب ديلان، وسيلين ديون، ونجم الراب إيمينيم، وتتابع مشاهير السينما على ذلك، تقول أنجلينا جولي: “أنا لا أؤمن بالندم”، وكذلك قال جون ترافولتا (Pink, 2022)، ومؤخرًا أنتوني هوبكينز…الخ. أما المعالجة السينمائية والروائية المعاصرة للندم فشيء لا يمكن حصره.

وحين سأل بينك ورفاقه (Pink et al, 2021) آلاف الأمريكيين في الاستطلاع المذكور: هل الندم مفيد أم ضار؟ قال 8% منهم أنه ضار جدًا، بينما صرح 20% بأنه ضار إلى حدٍ ما، وذهب 25.5% إلى أنه ضار قليلًا، بينما رأى 17.2% أنه مفيد إلى حدٍ ما، ولم يقل بأنه مفيد للغاية إلا 4%.

ينبع النفور من الندم من شيوع نمط الحياة الرأسمالي القائم على “النجاح” بمفهومه المادي والاجتماعي، فإنكار الندم يتضمن إنكار “الفشل”، ففي الثقافة الأمريكية التي ترى أن الفوز هو كل شيء يكون المرء مضطرًا «لإنكار الندم/الفشل من أجل البقاء في اللعبة».

كما يرتبط إنكار الندم بأزمة معنى الحياة كما أوضحت في كتاب «معنى الحياة في العالم الحديث»، فالنظر إلى الحياة كخطة أو مشروع أو موقع لتنفيذ مهمة ما ينطوي بالضرورة على وجود القابلية للندم كما يقرر الفيلسوف جيمس ديجيوفانا، فيندم المرء عندما لا يتسق سلوكه مع أهدافه الحياتية وخططه فيها (DiGiovanna, 2019)، والحياة حين تكون مبتورة عن معناها الكلي الذي ينتج عن إجابات وافية ومكتملة عن أصل العالم ومصير الحياة، وتصبح غاية المرء الرفاه الفردي دون أمل بحياة أخرى، ولا يغدو لسلوكه اليومي معنى مشبع ولا غاية كبرى، ولا تصبح أعماله هدفًا لمغزى جماعي أو ديني؛ يصبح الندم على ما مضى محض عبث، وإضعاف غير مبرر لأسس الرفاه.

ويتعزز هذا التحليل بالنظر إلى طبيعة الأماني والندامات الرائجة كما كشفت عنها الاستطلاعات والدراسات أعلاه، حيث يغلب عليها الندم بشأن النجاح المهني والشؤون العاطفية والفرص الضائعة، فالثقافة تؤثر على أصحابها في تصوراتهم عن أنفسهم وعن الحياة من حولهم، وقد حاولت دراسة (Komiya et al, 2011) بحث تأثير الثقافة على الشعور بالندم، وتحديدًا الثقافة اليابانية والأمريكية، وكان من النتائج أن الأمريكان كانوا أكثر عرضة ء للندم على “الفشل في اغتنام اللحظة” إذا قورنوا باليابانيين، في حين أن اليابانيين كانوا أكثر عرضة من الأمريكيين للندم على “إيذاء الآخرين”.

أما الحياة في نظر المؤمن فهي معبر مؤقت إلى الآخرة، وموقع لأداء واجب العبودية، وهو واجب يستغرق حياته كلها، وإذا جمعت هذا مع ما أخرجه أحمد والترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كلُّ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ، وخيرُ الخطَّائينَ التَّوَّابونَ» وما روي عن صلى الله عليه وسلم: «النَّدَمُ تَوبةٌ» تحصّل لك أن المؤمن لا ينفكّ عن ندم في أحواله كافة ولابد، إما بسبب تقصير في واجب أو خوض في محظور، في جوارح الظاهر أو كوامن الباطن، ولكنه ندم منشط للعمل موقد للإرادة، لا ندم الوهن والبؤس أو الحزن المحض.

وبرغم شيوع إنكار الندم، إلا أن الجميع يندم برغم ذلك؛ كتبت جانيت لاندمان: “لأننا نعلم استحالة الحصول على كل شيء؛ فإن الندم أمر لا مفر منه!”» (Michaels, 2017)، ومن يتفاخر بأنه لا يندم أو لم يندم قطّ فهو غالبًا غير صادق، أو لا يعي ما يقول، أو معطوب نفسيًا.

إن الندم يطور التبصّر بشأن النفس وأفعالها، وهو أساس في تشكيل الذات وإعادة تنظيم سلوكها نحو الأفضل، ويغرس بذور الرغبة في التغيير والإصلاح، وقد لاحظ (DiGiovanna, 2019) أن الفلاسفة القدامى لم يهتموا بالمشاعر المكروهة أو السلبية كما ينبغي، بل إن الاتجاه الفلسفي الرواقي لم يدرج الندم ضمن تصنيفه الرباعي للمشاعر(نوسباوم وليفمور، 2023 [2017])، ومع ذلك فإن الحدس الأخلاقي يقودنا من حيث لا نشعر إلى تقدير الندم كشعور إنساني دفين، كما نجده في حكايات الخيال العلمي حيث غالبًا ما تعرض الآلات والروبوتات الذكية على أنها عديمة المشاعر ودون أدنى إحساس بالندم.

ومع موجة علم النفس الإيجابي والاهتمام البحثي بالكشف عن الجوانب المحمودة في المشاعر المكروهة يأتي الندم كأكثر المشاعر ملاءمة لهذا المسار، بالمقارنة مع المشاعر المكروهة الأخرى كالاكتئاب والتوتر والقلق والغضب والحزن، من حيث آثاره في تعديل السلوك المستقبلي والاستعداد له، وتعميق فهم معنى التجارب الشخصية، واكتساب البصيرة الذاتية، والعون على فهم تجارب الآخرين والتعاطف معهم، وتعزيز العلاقات الاجتماعية (Dian, 2019)، ولذا من الطبيعي أن الناس يقدرون الندم أكثر بكثير من تقديرهم للمشاعر المكروهة الأخرى (Saffrey et al, 2008).

(7)

والمنبع الآخر لشيوع إنكار الندم ورفضه، وظهور ثقافة العيش بلا ندم في الثقافة المعاصرة هو الوفرة المفرطة للخيارات والتنوع الهائل للفرص أمام الفرد العادي، وقد توصلت بعض الأبحاث إلى أن الأشخاص الذين تواجههم مجموعة واسعة من الاختيارات يعبرون عن ندم أقوى ورضا أقل، والسبب أن المزيد من الخيارات تعني بذل جهد إضافي للاختيار، وارتفاع معدل الاختيار الخطأ… الخ (Dian, 2019).

وإن زيادة الفرص المتصورة في مجالات الحياة تزيد من شدة الندم (Roese & Summerville, 2005)، فالتنوع الواسع في الحياة الحديثة المترافق مع زيادة الحريات الفردانية جعل من الندم تجربة دورية مؤلمة، ففي الزواج مثلًا الخيارات تعد واسعة جدًا بالمقارنة مع ما يعرف بالزيجات المرتبة أسريًا في الثقافات ما قبل الحداثية، وكذلك الحال مع التخصصات والوظائف والممتلكات وأنماط العيش عمومًا (Gilovich & Medvec, 1995)، و«كلما زادت الفرص والخيارات، زادت إمكانية الندم؛ لأن تكاثر الطرق التي لم نسلكها يعني تكاثر التخيلات عن نوع الحياة التي كان من الممكن أن نعيشها؛ وقد أدى الجمع بين زيادة الحريات وفلسفة التطلع المستمر إلى الأمام إلى الخوف من الندم والحاجة إلى إنكاره» (Shah, 2017).

ولذلك فنتائج الأبحاث تذكر أن أكبر ندامات الناس هي انعكاس للمكان الذي يرون فيه أكبر الفرص المتاحة لهم في الحياة؛ أي حيث يرون آفاقًا ملموسة للتغيير والنمو والتجديد، والمحصلة من ذلك أن «الفرصة تولّد الندم!» (Roese & Summerville, 2005).

وليس يقي من ذلك إلا القناعة بما قدر الله، والتعويل على النعيم المقيم، جعلني الله وإياك من أهله، وأسبغ علينا رضوانه بفضله ولطفه وكرمه.


المصادر

– Anna Gotlib, Backward Glances: An Introduction to The Moral Psychology of Regret. in: Anna Gotlib (Ed.) The Moral Psychology of Regret (Rowman & Littlefield International, 2019).-

– James F. DiGiovanna, Regret as a Condition for Personhood. in: Anna Gotlib (Ed.) The Moral Psychology of Regret (Rowman & Littlefield International, 2019).

-Roese, N. J., & Summerville, A. (2005). What we regret most… and why. Personality & social psychology bulletin, 31(9), 1273–1285.

– Hattiangadi, N., Medvec, V. H., & Gilovich, T. (1995). Failing to act: regrets of Terman’s geniuses. International journal of aging & human development, 40(3), 175–185.

– van Dijk, E., & Zeelenberg, M. (2005). On the psychology of ‘if only’: Regret and the comparison between factual and counterfactual outcomes. Organizational Behavior and Human Decision Processes, 97(2), 152-160.

– Zeelenberg, M. and Pieters, R. (2007), A Theory of Regret Regulation 1.0. Journal of Consumer Psychology, 17: 3-18.

– Davidai, S., & Gilovich, T. (2018). The ideal road not taken: The self-discrepancies involved in people’s most enduring regrets. Emotion, 18(3), 439–452.

– Zeelenberg, M., van de Bos, K., van Dijk, E., & Pieters, R. (2002). The inaction effect in the psychology of regret. Journal of personality and social psychology, 82(3), 314–327.

– Gilovich, T., & Medvec, V. H. (1995). The experience of regret: What, when, and why. Psychological Review, 102(2), 379-395.

– Dian, Z. (2019). A Literature Review of Regret. IRA-International Journal of Management & Social Sciences, 15(4), 111-114.

– d’Avelar, Maria Madalena. (2022). On Regret: A Sociological Intersectional Approach. Social Sciences 11: 50.

– Ingrid M. Geerken. The poetics of regret in repetition, mourning, and reparation. in: Salman Akhtar, Shahrzad Siassi (Eds.). Regret: Developmental, Cultural, and Clinical Realms, (Routledge, 2017).

– Nilofer Kaul, Of regret and Plato’s ghost. in: Salman Akhtar, Shahrzad Siassi (Eds.). Regret: Developmental, Cultural, and Clinical Realms, (Routledge, 2017).

– Apurva Shah. Regret on the screen and regret as a screen. in: Salman Akhtar, Shahrzad Siassi (Eds.). Regret: Developmental, Cultural, and Clinical Realms, (Routledge, 2017).

– Richard Tuch. Longing for a second chance. in: Salman Akhtar, Shahrzad Siassi (Eds.). Regret: Developmental, Cultural, and Clinical Realms, (Routledge, 2017).

– Lloyd Michaels. Sweet and Lowdown: Woody Allen’s Cinema of Regret, (Wallflower Press, 2017).

– Daniel H. Pink. The Power of Regret: How Looking Backward Moves Us Forward, (Riverhead Books, 2022).

– Daniel H. Pink, et al., American Regret Project (2021).

– Shimanoff, S. B. (1984). Commonly named emotions in everyday conversations. Perceptual and Motor Skills, 58(2), 514.

– Saffrey, C., Summerville, A., & Roese, N. J. (2008). Praise for regret: People value regret above other negative emotions. Motivation and emotion, 32(1), 46–54.

– Bjälkebring, P., Västfjäll, D., Svenson, O., & Slovic, P. (2016). Regulation of experienced and anticipated regret in daily decision making. Emotion, 16(3), 381–386.

– Morrison, M., & Roese, N. J. (2011). Regrets of the Typical American: Findings From a Nationally Representative Sample. Social Psychological and Personality Science, 2(6), 576-583.

– Wrosch, C., & Heckhausen, J. (2002). Perceived control of life regrets: good for young and bad for old adults. Psychology and aging, 17(2), 340–350.

– Timmer, E., Westerhof, G. J., & Dittmann-Kohli, F. (2005). “When looking back on my past life I regret…”: retrospective regret in the second half of life. Death studies, 29(7), 625–644.

– Jennifer Aaker & Naomi Bagdonas. Humor, Seriously: Why Humor Is a Secret Weapon in Business and Life and How Anyone Can Harness It, (Penguin Random House, 2021).

– Weisberg, D. P., & Beck, S. R. (2010). Children’s thinking about their own and others’ regret and relief. Journal of experimental child psychology, 106(2-3), 184–191.

– Beike, D. R., Markman, K. D., & Karadogan, F. (2009). What we regret most are lost opportunities: a theory of regret intensity. Personality & social psychology bulletin, 35(3), 385–397.

– R. Jay Wallace. The view from here: on affirmation, attachment, and the limits of regret, (Oxford University Press, 2013).

– Komiya, A., Miyamoto, Y., Watabe, M., & Kusumi, T. (2011). Cultural grounding of regret: regret in self and interpersonal contexts. Cognition & emotion25(6), 1121–1130.

– مارثا نوسباوم، سول ليفمور. تدبر الكبر: محاورات حول التقاعد والحب والتجاعيد والندم، ترجمة: هشام ممدوح طه، نشر المركز القومي للترجمة ط1 2023 [2017].

11 رأي حول “حسرة الأيام الأخيرة

  1. الندم نديم الإنسان حين يفرغ من الأشغال بل ربما هو الذي يدعوه للعمل الدؤوب كي ينسى نداماته وفعلا كل مرة أندم فيها أقول لنفسي أنت لم تحضري فيها أحوال ذلك الوقت كاملة أحضرت الطرق الممكنة ونسيت المآلات المعتمة ولكنها لا تقتنع تلومني وهي من مسافة بعيدة عن السياق كما اللوم الواقع من الآخرين مسافته البعيدة هي التي تدعوهم ألا يشعروا بسياقات الحدث لذا أجد لوم النفس من مسافة زمن بعيد كلوم شخص لم يجرب الموقف غريب متبلد الشعور في هذه المسافة البعيدة يولد الندم واللوم القاسيان في أحكامهما .

    موضوع يستحق التمعن فيه وتدخل العقل في ضبطه وتوجيهه.

    شكرا لكم.

    Liked by 2 people

  2. ومما يعزي النفس، مقولة سيدنا عمر بن الخطاب: ((لو عُرِضَت الأقدار على الإنسان لاختار القدر الذي اختاره الله له)).

    ولو نظرنا من الأعلى نجد أننا أنما نعمل ونسعى؛ رحمة من الله بنا، وبمقدار السعي يحضر الرضى بالقضاء والقدر، وتهدم الأمنيات والمآلات المتخلية في عقلونا، لأننا ببساطة قد حاولنا، ونملك أجابة على ذلك.

    Liked by 3 people

  3. “زخارف الدّنيا أساس الألم وطالب الدنيا نديم الندم فكن خليّ البال من أمرها فكلّ ما فيها شقاءٌ وهمّ” – عمر الخيّام.

    “ما أبالي على أي حال أصبحت، على ما أحب أو على ما أكره، لأني لا أدري الخير فيما أحب أو فيما أكره” – عمر بن الخطاب.

    Liked by 1 person

اترك رداً على غير معروف إلغاء الرد