يمكن الوصول لإجابات تقريبية عبر تأمل أسباب وهج الفقرة أو الجمل القصيرة:
١- البساطة، أي عدم التركيب، فلا تحتاج لكدّ ذهن، ولا تفكير طويل، لأنها لا تتضمن سياق جدلي أو افتراضات نظرية، وبنية دلالية ومنطقية، وهذا يناسب المزاج العقلي العمومي، ويوهم المتلقي بالاكتفاء المعرفي.
٢- اعتمادها كثيرًا على وقع الألفاظ، مثل قوة المفارقة، والرنين الجرسي، والنبرة الشعرية. وهو اعتماد يسعى لاستثارة العواطف والانفعالات، ويعطل أو يضعف المحاجة البرهانية. ويستخدمها بعض الكتّاب لأهداف ثورية، ورفضًا لأي تفكير فلسفي نسقي، كما يقول إميل سيوران عن الكتابة الشذرية أنها تعبّر عن «نفور من التحليل والبرهنة، فهي تتيح التعبير عن حالات مؤقتة ولحظات انفعالية، وحقائق جزئية ومتحيزة»، لذا فالتناقض سمة شائعة في الاقتباسات، أو النمط الشذري في الكتابة.
ولنفس هذه الأسباب تستخدم الحملات الانتخابية والأحزاب السياسية والمؤسسات الإعلامية وأية مؤسسات أو أنظمة تهدف إلى الحشد والتعبئة الاجتماعية والسياسية والأيديولوجية جملًا قصيرة أو “شعارات” مكثفة تعبّر بحرفية عن رؤيتها المروجة.
٣- سهولة التداول: وقد ساهمت شبكات التواصل في ترويج هذا النوع من المعرفة بإسراف، وهذه السهولة تكشف -أيضًا- عن تفاقم الشعور العام بالملل والسآمة.
٤- إيهامها بالخلاصة: فهي مباشرة وتوحي باختزال الخبرة أو التجربة؛ لاحتوائها على القطع والتركيز وإهمال الاستثناءات والنقد المضاد.
٥- تناسبها مع مزاج السيولة الحديث عمومًا: وهو مزاج مفكك، ومتناقض، وملول، ومحبط، وناقص، وفوضوي.
٦- تمنح الجمل القصيرة صوتًا لمن لا صوت له: بالضبط كما تفعل الأبيات الشعرية السائرة والأمثال الشائعة، فهي تقدم للمستهلك صيغة لغوية جذابة ومنمقة تفسّر، أو تبرر، أو تسوّغ، أو تعقلن، أو تسهّل، أو تشعره بقوة ورصانة أفكاره أو أفعاله.
بعد أن كتبت ما سبق أعدت النظر فيه فوجدت أنه يتضمر نظرة قدحية في الظاهرة عمومًا (كثرة الاقتباسات)، إلا أن للاقتباسات فوائد جديرة بالتقدير، كاختصار الخبرة، وإثارة التأمل، أو الاستمتاع بالصورة المجازية.
لاحظت أيضًا أنك -إذا تناولت الأمر بجدية- ستضطر للتخلي عن الاستشهاد أو الاحتجاج بالأمثال الشعبية، المقولات الفلسفية، والاقتباسات النفسية، لأنك ستكتشف مع مرور الوقت أن كل خاطر -تقريبًا- وهاجس يعنّ لك، وكل سلوك تتردد في القيام به قد قيل فيه أمثال واقتباسات ومقولات تؤيده ببراعة، للأسباب المذكورة أعلاه.
قام بإعادة تدوين هذه على مدونة يوسف محمد.
إعجابإعجاب