العنوان: الجنون في غياهب السجون – أزمة الصحة العقلية خلف القضبان ودورنا في مواجهتها
المؤلف: تيري كوبرز
دار النشر: مؤسسة هنداوي
سنة الطبع: 2015م
الطبيب النفسي كوبرز يفتح جرح دامي لواقع السجون الأمريكية، ويحكي بتجربته الطويلة عن الملفات المؤسفة التي كتب وناقش ورافع فيها، وقدم شهادات عديدة للمحاكم الأمريكية بشأن الانتهاكات التي يتعرض لها السجناء هناك.
في فصل رئيسي يتناول مضمون عنوان الكتاب، يتحدث فيه كوبرز عن التعامل السيء الذي يتعرض له السجناء المصابين بالأمراض العقلية، إما بالقمع الذي يفاقم من أمراضهم، أو بالتقصير في علاجهم، أو بتنفيذ سياسات شرسة تزيد من أعداد المصابين. وفي فصل آخر يتناول العنصرية، السود والبيض، وعلاقاتهم داخل السجون، عنصرية القضاة والأمن والحراس ضد بعضهم. وبعده يتحدث عن ظروف السجينات، وتأثيرات تزايد أعداد الحراس الرجال بفضل قوانين المساواة في التوظيف وقوانين الحقوق المدنية الصادرة أوائل الستينات. ثم يفرد فصل مأساوي عن الاغتصاب في السجون، وهي ظاهرة شائعة في السجون الأمريكية، بين المساجين، بل تصل إلى حد أن تشبه الدعارة المنظمة، وكذلك اعتداء الحراس بالتحرش والاغتصاب للسجينات، والتي قد تتظاهر السجينة بكونها علاقة تراضي من أجل كف شر المسؤول أو الحصول على بعض الامتيازات.
ثم تحدث في فصل آخر عن سياسات المؤسسات العقابية السيئة تجاه علاقة السجين بأقاربه ومحبيه، فأشار إلى أن بعض هذه السياسات تنحو لتعقيد أو إفشال تواصل زوجة السجين أو عشيقته وأقاربه معه، بسبب سياسات التفتيش والحظر والتعنت، أو إخضاع بعض السجناء للعزل الكامل، مع حرمان السجين من التواصل الجسدي مع أقاربه (بوجود حواجز زجاجية تمنع السجين من التقبيل والاحتضان لأولاده وزوجته)، أو حتى عرقلة تواصل السجين الجنسي مع زوجته. ثم تحدث عن ظاهرة الانتحار في السجون في فصل مستقل. وختم الكتاب بخاتمة مستفيضة تتضمن قائمة مفصلة من التوصيات لتحسين واقع السجون، وتطوير أداء المؤسسات العقابية.
وإذا تجاوزنا التفاصيل فيمكننا أن تعامل مع هذا اللون من الأبحاث باعتبار أنها كاشفة عن التحولات الرقابية والمظاهر العقابية المتوحشة للدولة الحديثة، والتي تعتمد على حزمة سياسات لا إنسانية للإخضاع، من أشهرها الإخضاع بالمراقبة الشاملة الدائمة للسجين، بحيث يبقى السجين تحت عدسة وعين الحراس، حتى في أشد أوضاعه خصوصية، في قضاء حاجته، وما إلى ذلك. (وبالنسبة للسجينة فالأمر أكثر سوءاً، وتحدث المؤلف عن سجينات قابلهن يشعرن بالخزي والعار جراء هذا الانتهاك المؤلم والدائم لخصوصيتهن من قبل حراس مهووسيين بالتلصص ومحمين بالقانون). هذا الميل غير المسبوق في التاريخ للإخضاع والتدخل والانتهاك لبشرية الآدمي يمثل جانباً رئيسياً من جوانب قبائح الحداثة السياسية والقانونية المعاصرة.