يسعى الكتاب لنقض ودحض فكرة شائعة وأسطورة ذائعة تقول بأن الدين يختلف جوهرياً عن العلمانية فهو يحمل ميلاً ونزوعاً خطراً نحو العنف.
ينقسم الكتاب لأربعة فصول. الأول يناقش المضامين المتداولة للأسطورة، عبر عرض لعدة أطروحات، والتي تتلخص في أن الدين ميّال ذاتياً للعنف لكونه (1) يحمل دعوى الإطلاقية، فهو الحاكم على كل شيء، ويتضمن الحقيقة المطلقة. و(2) هو مدعاة للانقسام ودافع مستمر للتشرذم والنزاعات الداخلية. و(3) غير عقلاني. والمؤلف يناقش هذه الدعاوى بأحد الحجج الأساسية في الكتاب بفشل هذه الأطروحات جميعاً بتقديم فرق مقنع بين العنف الديني والعنف العلماني، كما يثبت اتسام الأيديولوجيات والمؤسسات العلمانية كالقومية والليبرالية بهذه السمات: الاطلاقية والانقسامية واللاعقلانية.
وفي الفصل الثاني يناقش الأطروحات التي تحاول تقديم مفهوم وتعريف محدد للدين، ويثير الإشكالات ضد عامة ما يقال في هذا السياق، ويصل إلى نتيجة هامة وهي “أن محاولة القول بأن ثمة مفهوماً للدين عابراً للتاريخ والثقافة وأنه منفصل عن الظاهرة العلمانية هو بحد ذاته جزء من ترتيبات معينة للسلطة المتعلقة بالدولة القومية الليبرالية الحديثة في الغرب“، فالتمييز بين ما يعدّ ديناً وما ليس كذلك لا يزال يعاني من الاعتباط. ويتحدث في فقرة عن ابتكار الدين خارج الغرب، ويشير إلى الهندوسية والبوذية والشنتو والكونفوشية وكيفيات تدخّل المحتل الغربي والدارسين الحداثيين في اختراع هذه المذاهب وتنصيبها بوصفها “أدياناً”. وفي أواخر هذا الفصل يظهر الكتاب أن التقسيم الديني-العلماني لا يزال قضية خلافية وجدالية في الغرب الحديث، وأن ما يتم اعتباره دينياً وعلمانياً يعتمد على ما يتم تشريعه والترخيص له قانونياً من ممارسات.
ويخصص الفصل الثالث للحديث عن “الحروب الدينية” في القرنين السادس والسابع عشر في أوروبا وهي أبرز الأمثلة التاريخية عند الحديث عن العنف الديني. ويناقش السردية الأشهر في ذلك والتي تقول بأن الدولة الحديثة جاءت لتقضي على العنف الناجم عن الخلافات الدينية المستعرة في الغرب الأوروبي. ثم يفكك القصة التاريخية المتداولة وينقدها، ويتوصل إلى أن
“معظم العنف الذي استمر من القرن الخامس عشر إلى السابع عشر يمكن تفسيره باعتباره ناجماً عن مقاومة النخب المحلية لمحاولة الملوك والأباطرة مركزة السلطة”، فلدينا “عدد كبير من الأدلة تؤكد أن انتقال السلطة إلى الدولة الناشئة كان هو السبب وليس الحل في اندلاع الحروب” إبان النزاعات الأوروبية الوسيطة، وذلك يعود إلى تورط الكنسية بعمق في العنف لأنها أصبحت بشكل متزايد جزءاً من مشروع بناء الدولة.
وينتقد كافانو التصور الساذج والغريب لتاريخ صعود الدولة الحديثة بالاستناد لنظريات جان بودان وتوماس هوبز وجان جاك وروسو وأضرابهم، بدلاً من الفحص الدقيق لمجريات وملابسات الواقع كما دوّنت في السجلات التاريخية.
وفي الفصل الرابع والأخير يجيب المؤلف عن سؤال”إذا كانت أسطورة العنف الديني غير متسقة إلى هذا الحد فلماذا هي منتشرة هذا الانتشار الضخم؟!” وخلاصة الجواب أن الأسطورة تخدم أهدافاً محددة لمستهلكيها في الغرب. فعلى مستوى الخطاب السياسي الداخلي تساعد الأسطورة في تهميش أنماط معينة من الخطابات الدينية غير المرغوبة، وتعزز في الآن نفسه فكرة أن وحدة الدولة القومية تحمينا من التشرذم والانقسام بسبب الدين. وعلى مستوى السياسة الخارجية تساعد الأسطورة في تكريس وتبرير المواقف والسياسات العنيفة ضد العالم غير الغربي (لاسيما الإسلامي)، فالعنف الممارس باسم الأمة الإسلامية يستحق اللوم دوماً لأنه ديني/لاعقلاني، أما العنف باسم الدولة القومية الغربية هو عنف علماني/عقلاني وضروري بل وجدير بالثناء أحياناً!.