الخمور الفكرية – آرثر كوستلر


الكاتب المجري الأصل الإنجليزي الجنسية آرثر كستلر يحكي في هذا الكتاب تجربته مع الشيوعية، والتي استمرت لسبعة أعوام، فقد انضم للحزب الشيوعي في ألمانيا عام 1931م وكان عمره حينها 26 سنة. في أوائل الكتاب ساق جملة من الملابسات التاريخية والظروف الشخصية والاجتماعية التي تجعل ازدهار الفكرة الشيوعية في تلك الحقبة أمراً معقولاً، وقد أشار لشدة انفعاله وانبهاره بالفكرة الشيوعية حتى قال: «راح الضياء الجديد يتدفق من كل مكان، ويغمر الرأس من كل ناحية، وقد تراءى لي عندئذ الجواب على كل سؤال، والرد على كل إشكال، والحل لكل عقدة». تحدث بحرارة عن فاعلية ودور الإيمان في النفوس:«إن الإيمان ليأتي في العجب، لا لأنه يحرّك الجبال فحسب، بل يحملك أيضاً على الاعتقاد بأن السمكة هي حصان سباق!».

ويبدو كسلتر مهموماً في سيرته الفكرية القصيرة بإدانة ماضيه الشيوعي، بإظهار سخف الأفكار التي كان يعتنقها، وتناقضها، وفجاجة أساليب الحزب، واستعباده لأفراده، وخوفه من العقول الناقدة، وكثرة إخفاقاته ورفضه للاعتراف بواقعه. ويعترف الكاتب بأن «ذاكرة المرء تحيط الماضي دائماً بهالات من الخيال لتجميله، ولكن حين يتخلى الإنسان عن عقيدة ما، أو تنكشف له خيانة من صديق، أو غدر من صاحب، تنعكس العملية ويحدث النقيض»، ويقول أنه فشل في عرض جمال الماضي أو روعته على الأقل كما كان يحسه حين كان مخموراً به، وهذا ما جعله متحاملاً أو متجاوزاً لأي إيجابيات كانت تحملها تجربته المريرة.

ويحكي عن زيارته في أوائل صيف 1932م لروسيا وعن الرشاوي التي تمنحها الدولة هناك للكتّاب الشيوعيين عن طريق شراء عقود وهمية لمؤلفاتهم وعقود ترجمة للغات عديدة لم ير النور أياً منها، وتحدث عن صدمته بانتشار مظاهر الفقر المدقع هناك. وفي أواخر الكتاب يخصص الكاتب حديثاً عن تجربته في الاعتقال حين ذهب كمراسل صحفي بقصد تغطية الحرب الأهلية الأسبانية التي اندلعت حينها، فاعتقلته قوات الدكتاتور الفاشي الجنرال فرانكو ومكث معتقلاً عدة أشهر في عامي 1936-1937م أكثرها في السجن الانفرادي منتظراً المشنقة، ثم أطلق سراحه بفضل تدخل الحكومة البريطانية، وقد تأثر بهذه التجربة ووثق بعض أحداثها في روايته الشهيرة “ظلام في الظهيرة” -وقد ترجمها رمسيس عوض للعربية- والتي حوّلت إلى مسرحية ذائعة الصيت. كرر مراراً في كتابه تشبيه الأيديولوجيا الشيوعية بالمخدرات أو الخمور التي تحجب عقل صاحبها عن رؤية الحقائق الواقعية والتاريخية.

أصيب كسلتر بالسرطان في آخر حياته، فلم يصبر وانتحر هو وزوجته عام 1983م.

ربما لا يبدو الكتاب ثرياً بما فيه الكفاية -وهو يقع في 100 صفحة تقريباً-، ولكنه يضيف للقارئ الراغب في الاطلاع على صورة مصغرة من صراعات القرن الماضي. وحيث أنه لا جديد كلياً في هذا العالم ما دام الإنسان إنساناً، فسيرى قطعاً من تلك المشاهد القديمة تعود مع كل فكرة سائدة لا يخدمها الدليل ولا يؤيدها البرهان. 

الكتاب للأسف يخلو من أي معلومة عن الكتاب الأصلي وعن تاريخ النشر وخالي من اسم المترجم وسنة الطبع، وبالكاد أبقت الدار الناشرة (دار الكاتب العربي-بيروت) النص المترجم. ومظهر الكتاب يدل على مضي بضعة عقود على نشره. وعلى أية حال فلا يمكن الوثوق بالدار، لا في العنوان ولا في النص المترجم.

3 رأي حول “الخمور الفكرية – آرثر كوستلر

  1. 👍 ..
    و الكاتب يهودي و له كتاب تحت عنوان ( القبيلة الثالثة عشرة ) وهو دراسة تاريخية عميقة عن دولة الخزر اليهودية وعلاقتها بيهود اليوم وهو جيّد في بابه ومن أحسن ما كتب في هذا الموضوع ..

    Liked by 1 person

  2. الكتاب ترجمة لفصل كتبه ارثر كوستلر في مؤلف شاركت فيه خمسة كتاب اخرين
    الكتاب الاصلي اسمه The God that Failed
    مقسم لقسمين مشاركة كوستلر في القسم الاول المعنون The Initiates: او البدايات الجزء الذي يمثل الخمور الفكرية هو من صفحة15 حتى صفحة 75 اي 60صفحة باللغة الإنجليزية من طبعة دار Harper Colophon books نيويورك 1949

    Liked by 1 person

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s