الأناركية


لا يعبّر عنوان الكتابة عن مضمونه كما ينبغي، فمحتوى الكتاب على قسمين، الأول ثلاث مقالات وأعمال بحثية لأستاذ الأنثربولوجيا ديفيد جريبر، والقسم الثاني بحث للناشطة الأناركية سيندي ميلستين. وقبل استعراض عام لمحتويات الكتاب: ما الأناركية؟ باختزال شديد هي فلسفة سياسية راديكالية/جذرية تقوم على رفض السلطة والتراتبية والضبط والتحكم الدولتي، وتدعو لمجتمع جديد لا تراتبي، ينظم نفسه ذاتياً، وتسعى لتوليفات ديموقراطية جديدة قائمة على التوافقات الحرة والحوار المباشر، لا سيطرة فيها و لاهرمية ولا تمثيل استعبادي. وهي تنحدر تاريخياً كجناح يساري للاشتراكية اللاسلطوية (الليبرتارية). تترجم الأناركية anarchism خطأ إلى الفوضوية وللدكتورة هبة رؤوف عزت مقالة جميلة بعنوان “الفوضوية: الفلسفة التي ظلمتها الترجمة”.المقالة الأولى بعنوان الأناركيون الجدد لجريبر، وتتحدث عن حركة مناهضة العولمة، وإلماحات نقدية حول السياسات النيوليبرالية. المقالة الثانية تناولت أنثربولوجيا العنف والخيال السياسي، والمقالة الثالثة بعنوان شذرات من أنثربولوجيا أناركية، وهذه المقالة مع ما قبلها أهم ما في الكتاب. وفيها يناقش ظاهرة ندرة الأكاديميين الأناركيين. ثم يحاول تقديم ملامح أولية لنظرية أناركية في الأنثربولوجيا، ويحاول في عرضه أن ينتقد الصورة التقليدية لتصوير ما يسمى بمجتمعات ما قبل الدولة الحديثة (البدائيين) وينقض أوهام النزعات الدولتية في أسس التفكير السياسي الحديث.

في القسم الثاني تقدم الناشطة الأناركية بطريقة أكثر شعبوية وتبسيطية عن الأناركية كحركة وتيار، تبدأ بمناقشة مفاهيمية للتعريف الأناركية، ثم تاريخها، وطموحاتها.

وعموماً تنطوي الأناركية على إيمان طوباوي أو مثالي عن الإنسان وخيريته وتنطلق من رفض المركز وهي فكرة دفعتها لإتخاذ موقف عدائي من الدين كسلطة، وتلاقح بعض مفاهيمها مع النسوية المتطرفة لكونهما يتفقان في معاداة “سلطة” الرجل.. الخ.

إلا أن مجمل الأطروحة الأناركية كفلسفة سياسية وتصور عن الإنسان والمجتمع مفيدة -ربما- للقارئ المسلم، أولاً لكونها تضيف إليه تحليلات نقدية إضافية لواقع الدولة والرأسمالية المتغولة، وثانياً لأن الأطروحات الجذرية تستفزّ في الإنسان الحسّ النقدي، وهذا يساعد على بلورة التصور حيال الأفكار ذات الصلة. وثالثاً لأنها فلسفة أمل وحلم فهي تنقلب جذرياً على التصورات التقليدية حول السلطة، وتطمح لواقع تعاوني نموذجي، فواقع اليوم مغلق وبلا أفق، وتعاني الأطروحات السياسية السائدة من عاهات خطيرة وتشوهات مكلّفة. ويمكن الرجوع لمقدمة عبدالرحمن أبوذكري لكتاب “الأناركية” لدانيال غيران، والتي تناولت العلاقة بين المنظور الأناركي والإسلامي برؤية بيغوفيتشية.

رأي واحد حول “الأناركية

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s