عقلنة الأمل

الأمل.. الشعور الجميل الذي يخفف من قسوة الظروف، وانغلاق الطرق، وانسداد الأفق، ويقوي النفس على احتمال المشاقّ. ولكن الأمل أيضاً يغدو مضراً حين تبالغ في تعاطيه، وحين تنتظر من الحياة أكثر مما تجود به عادةً. إميل سيوران يقول:“لا ينتحر إلا المتفائلون، المتفائلون الذين لم يعودوا قادرين على الإستمرارفى التفاؤل”. يعقد الانسان في مطلع شبابه وحين تتفتّح وروده وأزهاره آمالاً عراضاً يتوقع أن يجنيها في مستقبل أيامه، فيأمل أن يحصل على قبول في جامعة ممتازة أو تخصص ما، يظن أنه سيتميز فيه، أو وظيفة ما، مرموقة وبراتب مجزي، أو عندما يتزوج بتلك الفتاة التي يظن أنها ستحلّق بحياته، أو تأمل أن تقترن بذلك الشاب الرائع، وأن يجني الشهد من تلك الشهادة، وذلك العمل، أو ما تشاء. ويقع كثيراً أن يحصل المأمّل على أمله، لكنه لا يجده كما كان يتخيّل، ويكتشف في وسط تلك الآمال منغصات جديدة لم يحسب حسابها.
من يؤمل ممن حوله التقدير، ومن مجتمعه الاحترام، ومن صديقه الوفاء، ومن زوجته المودة والتفاني، ومن بلده الكرامة، ومن العالم العدل = قد تخذله الأيام، بل كثيراً ما تفعل ذلك، فيتضاعف ألمه. ومن وطّن نفسه على أن لا ينتظر من أحد شيئاً، لا من صديق ولا حبيب ولا وطن، ولا يأخذ هذه الأمور بجديّة كاملة، بليحمد الله إن جاءت كما يحب، ويصبر إن لم تكن كذلك، ولا يجزع لأنه لم يتوقع خلاف ذلك، ومن تكون هذه حاله يربح ما هو أعظم من تلك الآمال العراض، يربح التحرر الداخلي، والانعتاق الروحي الفضفاض، فالحر عبد إذا طمع، يربح قلبه الذي لم يستعبده مال ولا منصب ولا فتاة، ويربح تلك البهجة السافرة التيتملأ روحه وكيانه.

والعمر قصير 60-70 سنة ليست كثيرة، (نصفها نوم، والنصف الثاني مقسم بين أكل وشرب وضروريات، وبالكاد تبقى بعد ذلك أوقات للجد)، يمكن أن تمضي هذه السنين القلائل بسلاسة إذا غضينا الطرف عن ما لا نحب. وبقدر اتساع الآمال تتعاظم الخيبة. ليست دعوة للتشاؤم، ولكنه سعي حثيث لعقلنة الأمل. وليسفي الوجود من يستحق أن يعقد عليه الأمل إلا الله، والأمل في رحمته التامة، ولطفه المطلق، وكرمه وعفوه، وما بعد ذلك سوى السراب.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s