العنوان: مع المخطوطات العربية – صفحات من الذكريات عن الكتب والبشر
المؤلف: كراتشكوفسكي
هذا كتاب في الحب، والعشق، يقص فيه المستعرب/المستشرق الروسي اغناطيوس كراتشقوفسكي (كما يذيل رسائله العربية) رحلته الطويلة مع معشوقاته المخطوطات العربية، والتي عاش معها لعقود طويلة، وحقق جملة من الأعمال المهمة. منذ أن تبدأ في الكتاب تجد نفسك في المكتبة، ثم ينتقل كراتشكوفسكي للبلاد العربية، فيسافر لمصر ولبنان وسوريا لتعلم العربية، ولملاحقة المخطوطات، ويتصل هناك بأعلام من أدباء العرب القدماء (المعري الذي حقق له “رسالة الملائكة” في 20سنة، والواواء، والأخطل،…الخ)، والمعاصرين (أحمد تيمور الذي يثني عليه بسخاء، وأمين الريحاني الذي ساهم كراتشكوفسكي من إشهاره في الغرب، وكرد علي، وجورجي زيدان، ولويس شيخو الذي هو يعد أستاذاً له، …الخ). ثم يعود لبلاده، إلى لينينغراد. ويواصل أبحاثه، ثم يعين بالجامعة أستاذاً.
يتحدث بشغف وبتفصيل طويل عن عثوره على مخطوطة نادرة، هنا أو هناك، وعن المكتبة، وأمنائها بشرح مستفيض، عن علاقته معهم، وحياتهم الطويلة بين جدرانها، وعن الأساتذة (انظر قصته الشيقة مع أستاذه شميدت) والباحثين والطلاب.
مثل هذا الكتاب يمنح القارئ وصف واضح للجهد الذي يبذله باحث شغوف مثل كراتشكوفسكي، جهد عظيم، وحياة كاملة مع العلم، فالعلم لا يمنحك بعضه إلا إذا بذلت له كلك، وقتك وجهدك، وبذلت فيه ماء عينيك، وطاقة أعصابك. مثل هذه السير تدفعك لاستحقار شديد لما ترى من التكاسل والبرود والهمود الذي تجده في سلوكك تجاه التعلم، وفي سلوك كثير من الباحثين، ومن يظن نفسه طالباً للعلم.
كراتشكوفسكي يؤكد القناعة بأن العلم في الأساس شغف، حب عميق، انجذاب روحي أخّاذ، قبل أن يكون وظيفة، أو واجب، أو ميول باردة، تنطفئ لأدنى عارض حياتي، أو مرض، أو معيق أو مانع. وعلى الباحث والطالب أن يوقد النار في موقد الميول حتى تنضج الملكة، وتشتعل الحماسة، لتكون نوراً يضيء مدارك العلم، ومسالك الفهم.
الكتاب جميل، وماتع، ويقع في 270 صفحة تقريباً، وهو عبارة عن فصول منفصلة، كل واحد منها يحكي قصة أوحقبة أو مشهد من حياة الباحث مع العلم والمخطوطات.