العنوان: مصيدة التشتت – كيف تركز في فوضى العالم الرقمي؟
المؤلف: فرانسيس بووث
دار النشر: مكتبة جرير
سنة الطبع: 2014م
كان عنواناً جذاباً حين قرأته لأول مرة، يناقش موضوعاً شديدة المعاصرة والحيوية. اقتنيته قبل أيام، وقرأته بصورة سريعة، أبطء من التصفح، وأسرع من القراءة المعتادة. بعد نصف ساعة تقريباً، وصلت للغلاف الأخير.
يتضمن الكتاب مقاييس جيدة لقياس مدى انغماس الانسان مع جواله الذكي. وعموم الكتاب يقدم توصيات عملية ومفصلة لكيفية النجاة من إدمان الانترنت، والتخلص من وطأة التشتت التقني، الذي أصاب معظم الشبابوالفتيات الآن، لاسيما في بيئاتنا المترفة.
أطروحة الكتاب في تحليل عوامل الإدمان والالتصاق بالشاشة عموماً لا تخلو من سطحية، وبعض السذاجة. فالإدمان على الشاشة الذكية ومواقع التواصل ليس فقط بسبب البحث عن الخبر الجديد، أو مراسلة الأصدقاء، وما شابه.
الشاب والفتاة يدمن على الشاشة الصغيرة لأنه يعيش هناك حياة مكتملة، افتراضياً، حياة أشد واقعية من واقعه الحسي المادي، ويجد فيها الفرصة الكاملة للتحدث بما يشاء، لمن يشاء، بحرية شهية، ويقابل فيها من يشبهه، في الاهتمام (رياضة، طبخ، قراءة، أزياء، سياسة، علوم، فنون،…الخ)، ويعثر على خلاصات الصحافة، وأهم البرامج الفضائية، والأفلام، والكتب. كما يستمتع بالابداعات البصرية، والسمعية، يجد من يحترمه، ويبادله المشاعر، والأفكار، والمواقف. يجد أرواحاً عديدة تروق له، يبني صداقات جميلة، وبدون تكاليف. بينما واقعه الحقيقي لا يتيح له شيئاً من ذلك، إلا بشحّ. فالمجال العام مقفل إلا بإذن من الحكومة، والأصدقاء لا يمكن العثور عليهم تقريباً، ولا يملك مقدرة مالية لعيش حياة واقعية فعلية. (مثلاً يفتتح حساباً في أحد مواقع التواصل الاجتماعي لبيع بضاعة ما، في غضون بضعة دقائق، بينما في الواقع يحتاج بضعة أسابيع وسلسلة مراجعات حكومية وقرف بيروقراطي ومال كاف ليجد بقعة صغيرة في سوق يعرض فيه بضاعته)، بل إن قطاعاً من واقعه المادي انتقل ليصبح افتراضياً، فجلسات الأصدقاء ولقاءات العائلة تقلّصت لتصبح مجلس دائم في مجموعة في الواتساب، واجتماعات العمل ترقّت لتصبح مجموعة في تليجرام، والدروس العلمية والدورات التخصصية قفزت لتكون بثاً مباشراً على منصة افتراضية،…الخ.
إذاً، فالجوال بالنسبة لبعضنا -وللمدمن تحديداً- يمثل حياة بديلة، حرفياً، وعدم فهم هذه الرؤية الشمولية للإدمان يجعل محاولات معالجة الإغراق التقني مختلة أو مجتزأة، وحتى بالنسبة للمدمن نفسه، إذا لم ينقّح رؤيته هذه إلى العالم الرقمي، لن تنفعه النصائح.