العنوان: كتب لها تاريخ
المؤلف: جلال أمين
دار النشر: دار الهلال
سنة الطبع: 2003م
كتاب مغمور من كتب أستاذ الاقتصاد والكاتب المعروف د.جلال أمين. ولا أدري هل هو تجميع لبعض مقالاته؟ ربما، لكن مقدمته القصيرة لا تشير إلى ذلك.
وكتابات جلال أمين ماتعة ومفيدة، اطلعت له على كتاب”ماذا حدث للمصريين؟”، وكتابه الجميل “التنوير الزائف”، و”شخصيات لها تاريخ”، و”عولمة القهر”، و”خرافة التقدم والتخلف”، وسيرته الذاتية بأجزائها الثلاثة “ماذا علمتني الحياة”، و”رحيق العمر”، و”مكتوب على الجبين”.
يتميز أسلوبه بالسلاسة وبالرصانة، والإقناع، وبالاستناد المكثف على التجربة الذاتية، مما يعطي كتاباته طابع الحيوية.
في كتابه هذا اختار 17 كتاباً عرض لها وتحدث عنها وحولها، وكلها كتب معاصرة، وأكثرها شهيرة أيضاً، منها روايتان للطيب صالح -وهو مغرم به-، وروايتان لبهاء طاهر، والأسواني، وسير ذاتية، وكتابان في الاقتصاد، وفي التربية.
لفت نظري تناوله الجيد لشخصية ثروت أباظة، ولما قرأت هذا الاسم تذكرت أني اطلعت على مذكرات شخصية لثروت قبل بضعة سنوات، أذكر أنها مذكرات خفيفة لا تخلو من سخف، مع حفنة قليلة من ملاحظات وتأملات لا بأس بها. عرض د.جلال لأباظة من خلال رواية ضعيفة له بعنوان:”شيء من الخوف”، ثم استطرد في تحليل مستفيض لشخصيته، هو يقول: أن ثروت إنسان محدود الموهبة جداً، ويتمتع بقدرات أقل من عادية، فكيف حصل على كل هذا التقدير والتبجيل طوال 30 سنة، بحيث أن طه حسين قدم بعض أعماله، وكتبت دراسات عنه، وقام نجيب محفوظ بتأبينه لما مات بحرارة؟ في النهاية حمّل المثقفين المصريين المسؤولية، وندَّد باستعدادهم المبالغ فيه للمجاملة، وتمشية الحال، وتحاشي الصدع بالنقد، لاسيما لشخصية ارستقراطية كثروت. هذا الفصل من أمتع فصول الكتاب، إذا فهمت أن ثروت أباظة هنا ليس شخصية معينة بل رمز يفسر آليات الصعود الثقافي، واغتصاب المكانة الأدبية والاجتماعية؛ في مجتمعات هشة وسلطة شرسة، تسمح بتنامي طفيليات كهذه تنافح عنها.
وموقف جلال أمين من ثروت أباظة يذكرني بمقال بعنوان “الكلمة الطيبة”، يتحدث فيه الكاتب المصري الساخر أسامة غريب عن أولئك الذين يرسلون له أعمال كتابية ليعطي رأيه فيها، ويدون خلاصة تجربته معهم، يقول:(على أى الأحوال لم أعد أصارح أحداً برأيى الحقيقى فى العمل الذى أرسله لى إلا إذا وجدت صاحبه يمتلك أدوات جيدة تؤهله ليكون كاتباً، وهؤلاء لا يظهرون إلا على فترات متباعدة.. أما الغالبية العظمى من الذين يكتبون دون أن يكون أحدهم قد قرأ كتاباً فى حياته فهؤلاء أصبحوا يحظون منى بمديح لم يحصل عليه المتنبى لا فى حياته ولا بعد وفاته، ذلك أننى قد أدركت بعدما عركنى الزمن أن الحياة العابثة لا تحتمل الصرامة والجدية طول الوقت ولا تستأهل أن نُغضب الناس بدعوى حرصنا عليهم، وفهمت أن الذى يطلب رأيك فى عمله لا يفعل ذلك لأجل أن تنكد عليه وتحرجه برأيك الحقيقى، وإنما يقدم عمله لك لأنه يحبك ويتعشم فيك ويحتاج منك أن تمنحه أملاً يعينه على متاعب حياته.. يحتاج منك أن تطيب خاطره بكلمات لن تكلفك شيئاً بينما تعنى له الكثير!).
أيضاً تحدث جلال أمين عن رواية سببت ضجة قبل سنوات لما تحتويه من التطاول على الله، ومن الإيغال في الإباحية المبتذلة، الآن لا أحد يعرف هذه الرواية تقريباً، لأنها لم تكن تستحق البقاء، كتب عنها فصلاً جيداً في نقدها شكلاً ومضموناً، كما انتقد بشدة بعض الأكاديميين المختصين بالنقد ممن تحذلقوا وتفيهقوا في الدفاع عن هذه الرواية الوضيعة.