اعترافات – القديس أغستينوس

العنوان: اعترافات
المؤلف: القديس أغستينوس
دار النشر: المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون
سنة الطبع: 2012م

يمكن الزعم بأن هذا الكتاب يعدّ أشهر سيرة ذاتية في التراث الإنساني كله. ترجم لعشرات اللغات، وطبع مئات الطبعات حول العالم.

عاش أوغستينوس قبل الإسلام بقرنين ونصف تقريباً، فقد توفي 430 م. يحكي في اعترافاته سيرته الروحية، في رحلته نحو الرب. تحدث عن حماقاته التي ارتكبها في ماضيه، مع الرفاق الغاوين، سرقات تافهة، عشق محظور، ورغبات جسدية مؤرقة. ولما ذهب لقرطاجة في مطلع شبابه كانت تدوّي حوله مراجل الغرام الشائن، يقول:”لم أقع في الحب بعد، وكنت أحب أن أقع فيه. كنت في أشد الحاجة لذلك”، ارتكب الخطايا، وهو لا يزال يصارع نوازع الإيمان وجواذب النقاء، حتى كتب يخاطب الله -كعادته في عموم الاعترافات-:”كنتَ دوماً تباشرني بقسوتك الرحيمة، صابّاً مرّ القرف على جميع مسرّاتي المحرمة لتصرفني عنها إلى طلب مسرّات لا قرف فيها”. وفي موضع آخر يقول أنه لا يخاطب الله ليعلّمه -حاشاه-: (بل لأوقظ تجاهك مشاعري، ومشاعر الذي سيقرؤون هذه الاعترافات، فيقولون جميعاً”كبير هو المولى، وجدير بالمديح!”).

ولا زالت حالته تلك تتصاعد، حتى اتكأ مرة لشجرة تين، وانخرط في نحيب حاد، وابتهالات خاشعة، فسمع هاتفاً يقول له ويردد: خذ، اقرأ، ففتح الكتاب المقدس، فوقعت عينه على كلمات تدعوه للتوبة، يقول:”فما انتهيت لعمري من هذه الجمل حتى انتشر في قلبي ما يشبه نور الأمان”، وهذه اللحظة بالغة الروحانية تمثل منعطف حاد في حياته، وتذكر بلحظة مشابهة لأبي حامد الغزالي أشار لها في كتابه “المنقذ من الضلال”.

وبالعموم فالكتاب مملوء بالابتهالات والتمجيد لله، وبالملاحظات والتأملات، في النفس والناس والعالم، وفي ربعه الأول سرد طويل وماتع عن صراع الجسد/الروح، الغواية/النقاء. وقد خط أوغستينوس اعترافاته ببلاغة رائقة كما تبدت أحيانا عبر نوافذ الترجمة. وإذا استحضرت القدم الزمني لتأليف الكتاب، ستخرج بإفادات مهمة عن الشعور والسلوك والمعرفة والاجتماع الانساني كما رآها إنسان عاش في الشمال الأفريقي وفي روما، ومات بعنابة (في الجزائر الآن) قبل 16 قرناً.

ترجم الكتاب عن اللغة اللاتينية إبراهيم الغربي، وترجمته جيدة. بقي أن أشير إلى أن الاعترافات لا تخلو من غموض، ويعود ذلك لعدم معرفة القارئ للمجال اللاهوتي الذي جاء الكتاب في سياقه، ففي الكتاب نقاشات لاهوتية متعددة، وعناوين كتب وأسماء ورموز مسيحية بعيدة عن معرفة القارئ العادي، كما أن الكتاب مكتظ بالاقتباسات عن الإنجيل. وهذا الغموض ليس بالقليل في مجمل الكتاب. ومع ذلك فيبقى الكتاب ماتعاً ومفيداً، وسيبحر بقارئه إلى شطآن جديدة، ربما لم يزرها من قبل.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s